في نظرة سريعة إلى الأمور التي تجري من حولنا، لا نرى إلّا المشاكل، سواء كانت اقتصادية أو سياسية تولّد العنف والقتل والدمار، أو حتّى على الصعيد الإنساني والأخلاقي، ممّا يتسبّب باليأس لدى العديد من الأفراد. أمّا على الصعيد الشخصي، فيمكن لهذه الأحداث أن تذكّرنا بالثمن الذي يطلب إيماننا منّا أن ندفعه. فلكلّ شيء قيّم ثمن! لكن عندما يتعلّق الأمر بإيماننا، تصبح الكلفة مؤلمة للغاية، سواء لزم الأمر الدفاع عن قيم “مزعجة” لا يرغب الآخرون في الاستماع إليها، أو التخلّي عن حياتنا لأجل المسيح، بما أنّه يُطلب إلى كلّ مسيحي في العالم أن يشهد لإيمانه.
وهذا ما دفع روث بايكر إلى التساؤل عن عدد المرّات التي تذمّرت فيها حيال كونها كاثوليكية في عالم اليوم، وتمنّيها لو أنّها وُلدت في عصر أكثر هدوءاً يتقبّل الإيمان بشكل أكبر. وبرأيها الذي عبّرت عنه ضمن مقال نشره موقع catholic-link.org الإلكتروني، رأت أنّ هناك ثلاثة اقتباسات لتذكّرها وللتأمّل بها، بدلاً من القول “ليتني وُلدت في عصر آخر”. لكن كيف يمكن للإنسان التقدّم إلى الأمام عندما يشعر بالخوف بشدّة؟
في أحد أفلام “لورد أوف ذي رينغز”، يقول الكاتب الإنكليزي جون رونالد روول توكيان للشخصية غاندالف على لسان فرودو (الذي طُلب إليه القضاء على الخاتم السيّىء): “ليت الخاتم لم يصل إليّ يوماً. ليت هذا كلّه لم يحصل. وهذا ما يتمنّاه كلّ حيّ يختبر صعوبات مماثلة، إلّا أنّ القرار لا يعود إليه. كلّ ما علينا أن نقرّره هو ما يجب فعله بالوقت المُعطى لنا. هناك قوى أخرى تعمل في هذا العالم غير إرادة الشرّ”.
انطلاقاً من هذه الجملة، يمكن القول إنّه عندما نستيقظ صباحاً، يمكننا أن نكون متأكّدين من أمرين: لدينا الحياة التي أعطيت لنا لهذا النهار، وحياتنا هذه بين يدي خالقنا. قد نعيش وكأنّنا خالدون، وقد لا نشعر أنّ حياة كلّ واحد منّا شخصيّة، لكن فلنذكّر أنفسنا بمعنى ذلك. وكما يشير يسوع في إنجيل القديس متى (6: 34)، ليس علينا القلق حيال المستقبل، بل كلّ ما يمكننا فعله هو عيش يومنا الحاضر بنزاهة، حتّى لو كان روتينيّاً أو الأكثر سوءاً الذي قد نكون شهدناه حتّى الآن. فنحن مدعوّون لحسن التصرّف خلال نهارنا، وتسليم الله في نهايته كلّ ما فعلناه، عارفين أنّ الكلمة الأخيرة تعود له وليس للموت!
أمّا إن حوّلنا أنظارنا إلى البابا بندكتس السادس عشر، فنجد أنّه يعبّر عن المسألة عينها بشكل لا نتوقّعه أبداً عندما يقول: “إن عملتم بإرادة الله، تعرفون أنّه على الرغم من كلّ الأشياء المريعة التي تحصل لكم، لن تخسروا أبداً الملاذ الأخير. تعرفون أنّ أساس العالم هو الحبّ، لذا حتّى عندما يعجز أي إنسان عن مساعدتكم، يمكنكم المتابعة متّكلين على الذي يحبّكم”.
قد ننسى أنّ أساس العالم هو الحبّ، وأنّ العالم خُلق من الحبّ وخُلّص من جرّاء الحبّ، إلّا أنّه من واجباتنا أن نتذكّر أن نضيف الحبّ على جميع تصرّفاتنا وأحاديثنا، بما أنّ مسؤوليّتنا تقضي بعدم الوقوع في اليأس وإظهار معنى القيامة للآخرين. نحن نعجز عن حلّ كلّ مشاكل العالم، بغضّ النظر عن أنّه لا يُطلب منّا ذلك، لكن يمكننا أن نعيش بطريقة تعكس الثقة المطلقة بالله والتسليم لمخطّطاته. وبهذا، سنذكّر من يسألون عمّا حلّ بالعالم أنّ كلّ شيء ما زال بين يدي الرب.
أمّا الاقتباس الأخير فيأتي أيضاً من البابا بندكتس السادس عشر، ويختصر مأزق “العيش في زمن آخر” عندما يقول: “أيها الأصدقاء، لا تدعوا أيّ شدّة تشلّكم. لا تخافوا من العالم ولا من المستقبل ولا من ضعفكم. فقد سمح الله لكم بأن تعيشوا في هذه اللحظة من التاريخ، كي يبقى اسمه يدوّي في العالم عبر إيمانكم”.
لا تستخفّوا بالقوّة التي ستنعمون بها فقط عبر عيش إيمانكم؛ ستحرصون على أنّ اسم يسوع سيبقى يدوّي في العالم!