أن يقول المرء: "لا أعرف كيف أصلي" أو "لا قرابة بيني وبين الصلاة"، لهي مقولة غير مقبولةٍ لاهوتيًا. فالمجمع الفاتيكاني الثاني يلخص مفهوم الإنسان بحسب الإيمان المسيحي بهذا الشكل: "إن الدعوة الأخيرة للإنسان إنها هي واحدة: الدعوة للحياة الإلهية". هذا يعني أن كل إنسانٍ خُلق لكي يتحد بالله. وهذا الاتحاد يبدأ على هذه الأرض من خلال المحبة الأصيلة والفاعلة.
هذا ويعلّم الآباء الروحيون أن كل إنسانٍ بلا استثناء تلقى من الله "عضوًا" هو موضع الصلاة في كيانه. هذا العضو هو القلب (في مفهومه الروحي وليس البيولوجي). وجُلّ ما يجب أن نفعله هو أن ندوزن واقعنا وحياتنا ومشاعرنا مع هذا العضو الغارق في كيان الله.
الصلاة ليست أولاً مجموعة من الأفكار الجميلة والعميقة، بل هي – بحسب ما يعلّم توماس مرتون – "رجوعٌ إلى القلب، وإيجادٌ للمحور الروحي الأعمق، وإيقاظ لكياننا القائم دومًا في حضرة الله الذي هو منبع حياتنا الحقيقي". إن الأفكار والمشاعر وما رافقها ما هي إلا وسائل لكي نصل إلى قلبنا حيث يقطن الله، إلى قلبنا الغارق دومًا في صلاةٍ تبدأ صلاتنا عندما نتيقن لها!
كيف يمكنني أن أكتشف حالة الصلاة هذه؟
يكفي أن أتيقظ للتوق المطلق والذي لا يتعب الكامن في قلبي نحو معنى لحياتي، أو نحو سعادة متنامية، أو نحو ما لا أعرف بعد أن أعطيه اسمًا ولكنه حاضر وحيّ فيّ.
يعلمنا الإيمان أن هذا المعنى وهذا الفرح المجهول هما وجه الرب الذي يعرفني قبل أن أعرفه، والذي يحبني قبل أن أعرف ما هو الحب، والذي يبحث عني قبل أن أبدأ بالبحث عنه.
الحج نحو القلب هو الحج الأطول والأصعب. ولكنه أيضًا الحج الوحيد الضروري. منه لا نعود فقط بتذكارات وصور وعِبر، بل نعود منه وقد طُبع في كياننا ذكر الله، صورة المسيح والعبور الفصحي.
إن أي حجٍ ومسيرة في حياتنا تأخذ معناها إذا ما أدت إلى هذا الحج وإلى هذا اللقاء، اللقاء بين الحبيب وخليقته. فما يضفي على الحج الخارجي معناه، ليس تشقق الأرجل وانتفاخها، بل تشقق سجن الأنا وانفتاحه على الامتلاء بالرب.
إن مفارقة كياننا البشري هي أننا "نحمل دومًا في باطننا حالة الصلاة هذه، ككنز خفي لا نعيه ولا ندركه. نعاني من الصمم تجاه قلبنا الكائن في حالة صلاة، ونعاني من العمى لأننا لا نرى النور الذي نقطن فيه" (أندريه لوف).
أن نتعلم الصلاة يعني أن نسمح للروح القدس أن يضحي نشيد صمتنا ونَفَس نفسنا.
إن خيارات حياتنا تحملنا إلى نوع من انشقاق بين رغباتنا السطحية ورغبتنا الأعمق. هذه الأخيرة إلى التوق إلى الله والاقتداء به. في هذا الإطار يدعونا الكتاب المقدس إلى "ختان القلب" (راجع تث 10، 16) أي إلى محبة الرب من كل القلب، من كل النفس وبكل قوانا.
القلب هو الغرفة الباطنية التي ينظم فيها الرب الحب في كياننا (راجع نش 2، 4). قلبنا الأعمق يتحدث لغة الله ومسيرة الصلاة تتألف من تعلم لغة القلب. إن مختلف وسائل الصلاة لها غاية واحدة: الوصول إلى النقطة حيث تغوص النفس في كيان الله. ووسائل الصلاة الأصيلة لا تتيه في بحث خارجي عن طرق اصطناعية، بل غايتها هي واحدة، الانفتاح على صلاة الروح القدس فينا، التيقظ للروح الذي يصلي فينا بأنّات لا توصف (راجع روم 8).