إذا ما نظرنا إلى مسيرة إبراهيم من مُنطلق الصلاة، لوجدنا الكثير من التعاليم في موضوع الصلاة. فالحوار مع الله وبشكل خاص الإصغاء لكلام الرب والطاعة له كان محوريًا في وجود إبراهيم. ولكننا نود أن نركز انتباهنا في هذه المقالة على آية صغيرة تتضمن دعوة خاصة ومكثفة يوجهها الله إلى إبراهيم: “سر أمامي وكن كاملاً” (تك 17، 1). في هذه العبارة يمكننا أن نلخص جوهر حياة الصلاة، ليس فقط في وجود إبراهيم، بل أيضًا في وجودنا نحن.
في الدعوة توصيتان يوجههما الرب ولكنهما بالواقع تعنيان الأمر عينه، وبعكس مختلف التوصيات التي يعطيها الله للآباء في حالات معينة ومؤقتة، هذه التوصية تطال الحياة بأسرها. التوصية تعني حياةً معاشة على ضوء النعمة واتباع لله في كل خطوة.
هذا وإن التوالي بين التوصيتين له معناه العميق. فأول ما يقوله الرب لإبراهيم هو المسير أمامه. الترجمة الحرفية للنص العبراني هي: “سر أمام وجهي”. ولو كان ممكنًا أن نصوغ الأمر بالعربية لكان يجب صوغه بهذا الشكل: “سيّر نفسك أمامي!”. فالإنسان يجب أن يكون حاضرًا وجهًا لوجه أمام الله في مسيرة الكمال والصلاة هذه.
دعوة الله لإبراهيم بأن يسير أمام وجه تعني أمرًا آخر: تعني أن الله حاضر لإبراهيم وأن مسيرة إبراهيم ليست مسيرة فردانية تذهب نحو الله، بل هي قبول لمن يأتي للقائه لكي يسير معه.
يجيب الله في هذا على تذمر إبراهيم بشأن غياب الله وتناسيه لوعوده (راجع تك 15، 2). فبالرغم من غياب الله الظاهر الذي يبدو وكأنه غياب دام 13 سنة، في الواقع الله كان حاضرًا وفاعلاً في وجود إبراهيم.
يستطيع الإنسان أن يسير أمام الله لأن الله يتوجه إليه أولاً. الله حاضر، ولذا نحن نستطيع أن نكون حاضرين له ومعه. نستطيع أن نقول لله “أنت”، لأنه وهبنا “أناه” حبًا. عندما نذهب للتفتيش على الله نتفاجئ بأن الله حاضر أمامنا.
هذا القسم الأول من توصية الله لإبراهيم يبين لنا أن الحياة الروحية ليست أولاً إجابة وعيشًا لسلسلة من القواعد والوصايا، بل هي لقاء. ومن هذا اللقاء ينبع كل شيء. وسنتأمل في المرة المقبلة بالقسم الثاني من هذه التوصية.
Josealbafotos - pixabay - cc0
سر أمامي وكن كاملاً! حدّثني عن الصلاة – 8
يستطيع الإنسان أن يسير أمام الله لأن الله يتوجه إليه أولاً. الله حاضر، ولذا نحن نستطيع أن نكون حاضرين له ومعه