تتواجد راهبات مرسلات المحبة للأم تريزا في لبنان منذ عام 1979 ويصل عددهنّ اليوم إلى 13 راهبة ينتشرن في بيتين واحد في بيروت والآخر في بشري (لبنان الشمالي) وذكرى الزيارة البطولية التي قامت بها الأم تريزا إلى لبنان في خضمّ الحرب عام 1982 لم يُسلَّط الضوء عليها بشكل كافٍ إنما واحدة من الشاهدين المهمّين لهذا الحدث الإستثنائي كانت أمل مكارم التي لم تنسى أي تفصيل. ننقل إليكم بعض ما أتى في حديث قام به الصحافي فادي نون من الصحيفة اللبنانية لوريان لوجور معها وتلك هي الأحداث التي ذكرتها.
الحصار الإسرائيلي على بيروت
المشهد الأول – آب 1982. الجيش الإسرائيلي يحاصر بيروت الغربية بقيادة الجنرال أرييل شارون الذي كان عازمًا على طرد منظمة التحرير الفلسطينية. عمليات القصف عشوائية برًا وجوًا. مطار بيروت مغلق والحصيلة كبيرة: 500 قتيل من بينهم مدنيين وغيرهم من الجرحى. حوالى 11 أو 12 آب وردًا على الدعوة التي أطلقتها وكالة فرانس برس AFP تصل الأم تريزا إلى مرفأ جونيه. الدعوة بحدّ ذاتها لها قصة. فأمل مكارم هي من أطلقت النداء فيما تشهد على العشرات من الأطفال المسلمين من ذوي الاحتياجات الخاصة متروكين في ميتم يقع في الضاحية الغربية من بيروت من دون طعام أو رعاية أو نظافة. البعض منهم في النزاع الأخير.
المشهد الثاني – 13 آب 1982. مقتبس من فيلم مأخوذ في تلك الفترة حيث لا يمكن إيجاده للأسف ويوجد نسخة واحدة منه ولكن صورتها رديئة. عندما وصلت الأم تريزا إلى جونيه قالت لكاهن وضابط كانا موجودين هناك في مكان كان يُحتمل أن يكون ديرًا أو مكتبًا. فقالت لهما: “أشعر بأنّ على الكنيسة أن تكون حاضرة هنا وبما أننا لسنا منخرطين في السياسة لذلك علينا أن نكون حاضرين”. فأجاب الكاهن: “إنها فكرة جيدة، إنما عليك أن تفهمي الوضع أيتها الأمّ”. فتجيب الأم تريزا: “ولكن أبتِ إنها ليست فكرة. أظنّ أنّ هذا واجبنا. علينا أن نذهب ونأخذ الأطفال واحدًا تلو الآخر. أن نخاطر بحياتنا هو أقلّ ما يمكننا فعله. كلنا ليسوع. أترى أنا أقارب الموضوع بهذا الشكل منذ وقت بعيد عندما ساعدت أوّل شخص في شارع كالكوتا فلو لم أقم بذلك للمرة الأولى لما كنت استطعت أن أساعد 42 ألف شخص من بعده. واحد تلو الآخر…”.
وأما الضابط فقال لها: “ولكن ألا تسمعين صوت القنابل؟” الأم تريزا: “بلى، أسمعه” الرجل: “من المستحيل أن تمرّي من بيروت الشرقية إلى الغربية في هذه الأثناء، علينا أن نحصل على إذن وقف إطلاق نار”. الأم تريزا: “آه لقد طلبت ذلك من سيدتنا العذراء. سألتها وقف إطلاق النار غدًا ليلة عيد انتقالها” (عشية 15 آب، عيد انتقال العذراء).
ما أن وصلت الأم تريزا إلى لبنان حتى طلبت مقابلة سفير الولايات المتحدة فيليب حبيب الذي أرسله الرئيس رونالد ريغن من أجل إنهاء المجزرة التي يقترفها أرييل شارون. وكان يُعرَف عن فيليب حبيب (1920 – 1992) الديبلوماسي الأمريكي من أصل لبناني بكونه “الديبلوماسي المهني الأكثر تميّزًا في جيله”.
وبحسب ما أفاد الشهود، بعد أن أصغى بتمعّن إلى الأم تريزا، أجاب فيليب حبيب: “أيتها الأم أنا جد مسرور لرؤية امرأة صلاة إلى جانبي. أنا أؤمن بقوّة الصلاة…” وبعد أن أشار إلى أنه من الصعب أن يحصل وقف إطلاق نار أجابته: “أنا أكيدة أننا سنحصل على وقف إطلاق نار غدًا”. فقال لها: “إن حصلنا على وقف إطلاق نار سأحرص شخصيًا على القيام بالإجراءات اللازمة حتى تصلين إلى بيروت الغربية غدًا”.
يوم غد 14 آب 1982 كان صمت تام يخيّم على المدينة…
- يتبع –