“فإنّ كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأمّا عندنا نحن المخلّصين فهي قوّة الله”.
في يوم عيد ارتفاع الصليب المقدّس، ينظر البعض إلى الناحية التاريخيّة، فيما يتمعّن آخرون في المعنى الحقيقي للصليب. وتبقى الطلبة المخصّصة لتكريم الصليب المقدّس (والتي قلّت تلاوتها في أيّامنا هذه للأسف!) أبلغ الكلام معنى ومضموناً ومحتوى، سنعرضها عليكم بشكل تأمّل.
إنّ ليسوع الآن أتباعاً كثيرين يرغبون في ملكوته السماوي، أمّا حاملو صليبه فقليلون. كثيرون يبتغون تعزيته، أمّا مبتغو مضايقه فقليلون. كثيرون يشاركونه في المائدة، أمّا شركاؤه في التقشّف فقليلون. الجميع يرغبون في أن يفرحوا معه، أمّا الذين يرغبون في احتمال شيء من أجله فقليلون.
فلمَ تخاف إذاً من حمل الصليب الذي به نذهب إلى الملكوت؟ في الصليب الخلاص، في الصليب الحياة، في الصليب الحماية من الأعداء، في الصليب فيضان العذوبة العُلوية، في الصليب قوّة النفس، في الصليب فرح الروح، في الصليب تمام الفضيلة، في الصليب كمال القداسة. لا خلاص للنفس ولا أمل في الحياة الأبدية إلّا في الصليب.
فاحمل إذاً صليبك واتبع يسوع، تبلغ الحياة الأبدية. لقد سبقك هو حاملاً صليبه ومات لأجلك على الصليب، لكي تحمل أنت أيضاً صليبك وتتوق إلى الموت على الصليب. فإنّك إن متّ معه فستحيا أيضاً معه. وإن شاركتَه في العذاب، فستشاركه في المجد أيضاً. ها في الصليب قوام كلّ شيء، وفي الموت أساس كلّ شيء. وليس من طريق آخر إلى الحياة والسلام الداخلي الحقّ، سوى طريق الصليب المقدّس والإماتة اليومية. اذهب حيث شئت واطلب ما أردت، فإنك لن تجد في العلو طريقاً أسمى، ولا في الانخفاض طريقاً آمناً أكثر من طريق الصليب المقدّس. فالصليب مهيّأ دائماً، وهو ينتظرك في كلّ مكان. لا تستطيع التملّص منه أينما هربت، لأنك حيثما ذهبت فأنت تحمل معك نفسك، وتجد دائماً نفسَك. انظر إلى ما فوق وانظر إلى ما أسفل، انظر إلى ما هو خارج عنك وإلى ما في داخلك، تجد الصليب فيها كلّها. فعليكَ بالصبر في كلّ مكان، إن شئت الحصول على السلام الداخلي واستحقاق الإكليل الخالد.
فحاشا لي أن أفتخر إلّا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم!