يوضّح القديس بولس الموضوع الأوّل لرسالته، ألا وهو : إعلان البشرى السارّة للخلاص بيسوع المسيح. ويتكلّم باسلوب الساميّين في التعبير : ” لم يُرسِلني المسيح لأعمّد، بل لأبشّر ” ( روم 9 : 13 )، وليس في هذا التصريح تقليل من قيمة العماد، وإنما التأكيد على أولويّة مهمّته كرسول. وتعكس هذه الأولويّة مفهومَ الأسرار المسيحيّة كأسرار للإيمان.
إن بولس يفكّ الإرتباط بين بشارته وأيّة عقيدة تنغلقُ في حدود العقل الطبيعيّة، أو في المنطق والفطنة البشريّين. إنّ اعتبار الإنجيل ضربـــــــًا من نظام حِكَميّ أو ايديولوجيّة ما، جهلٌ لطبيعته ونسفٌ كاملٌ له، ” وإفراغ لجوهره ” .
وفي الآية ا18 من الرسالة الآولى إلى أهل كورنتس الاصحاح الآوّل، يؤكّد بولس على أنّ ” خطاب ” الصليبْ، الذي هو قلب الإنجيل، هو ” جنون ” للهالكين، وعبثٌ وعجز، وغباء في أعينهم، أمّا للذين قبلوا الخلاص، فهو ” قوّة ” ألله، والمكان الذي فيه تظهر وتتحقق قوّة الله للخلاص (رومة 1 :16) : الإنجيلُ هو ” قوّة الله ” لخلاص كلّ مؤمن ٍ “. أما عبارة ” قوّة الله” فتضعُ خطاب الصليبْ في سياق نور القيامة (رومة 1: 4) ” يسوع الذي وضع في قوّة ابن الله وقيامته من بين الأموات ” .
لقد رفض الله حكمة ” العالم “، بحسب بولس : ويُؤخذ العالم هنا بالمعنى السلبيّ، في اكتفائيّته وجهله الدينيّ، أما الحكمة فتتشخّص في الحكيم، وفي الإنسان المتحضّر والعاقل (والإشارة هنا إلى أولئك الذين، على خطى سقراط وأفلاطون، يمارسونَ البحث المشترك عن طريق الأسئلة والأجوبة). وليست تلك إدانة للعقل بل اختيار من الله، ضمن مخطّطه الخلاصيّ ومن أجله، للبلوغ إلى حالة تتحاشى الإكتفاء بالذات، وتظهر حكمة الله وقوّته للجميع ” لقد شاءالله أن يخلّص المؤمنين بجنون إعتلان الإنجيل”.
بول دي سيرجي