يكفي أن نلقي نظرة على عدد المهتمين بإحدى ال( Events ) التي تستضيفها العاصمة بيروت في نهاية هذا الأسبوع كي ندرك أن لا صوت يعلو فوق صوت تبني مجتمعاتنا اليوم لأساليب تعتبرها تتغلب على (التوتر) و تحافظ على اللياقة البدنية، دون تمييز بين الممارسات الصحية وما يستتر وراء (الصحي) ليتسلل الى الروح فيحدث الضرر.
اليوغا : أبرز هذه الممارسات.
وبالنسبة لكثير من المسيحيين غير المطّلعين على تاريخها ، اليوغا هي ببساطة وسيلة لممارسة الرياضة البدنية وتعزيز وتحسين مرونة العضلات.
و لكن الحقيقة أن اليوغا هي أكثر بكثير من وسيلة تحسين الذات جسدياً… إن الفلسفة الكامنة وراء هذه الممارسة القديمة الآتية من الهند، تُعتبر الطريق إلى النمو الروحي والتنوير.
في ما يلي لسنا بصدد دينونة لأي آخر. فالرب أهدانا حرية الإختيار وهذه الحرية هي مقدسة.و لا شك أن شأن كل إنسان أن يقرر أن يكون إما الى جانب المسيح إما الى جانب العالم. و لكن من المهم أن ندرك أنه إذا قررنا الإنتماء الى المسيح فأن اليوغا نشأت مع فلسفة تتعارض مع الإيمان المسيحي بشكل صارخ!!! وهذه الفلسفة لم تتغير.
اليوغا كلمة سنسكريتية تعني “الاتحاد”، والهدف هو “تضافر و توحد” روح الفرد مع (المطلق المجرد الهندوسي) ، وهو المفهوم الهندوسي “لله”. هذا الإله ليس شخصاً، إنما هو الجوهر الروحي المتوحد مع الطبيعة والكون. ويسمى هذا الرأي ب”وحدة الوجود”، حيث يصبح الله والطبيعة شيء واحد!!
و الكون المادي والإنسان ليسا إلا مظاهر للذات الإلهية… هناك تصبح الصخرة هي الله، الحيوانات هي الله، السماء هي الله، أنت هو الله…. وهذه النظرة تتعارض طبعاً مع النظرة المسيحية لله، الذي هو (كلي الوجود) ولكن ليس كل شيء هو الله. نعم، الله “موجود” في الشجر وفي البشر ولكن هذا لا يعني أن الشجر أو البشر هم الله.
وتعتبر اليوغا أن هذا “الاتحاد” المنشود يحرر ويخلص للإنسان من العواقب التي تنجم عن خيارات و أفعال قام بها في حياة سابقة مفترضة. مما يتعارض مجدداً مع نظرة المسيحية للخلاص في الرب المسيح.
+ تقول :”ولكني لا أعتنق ديانة أخرى : كل ما أفعله هو بعض التمارين ….”
نعم، أنت محق!! كل ما تفعله هو تمارين ولكنها أكثر من ذلك…
هاثا يوغا هو جانب من جوانب اليوغا التي تركّز على الجسد من خلال وضعيات خاصة، وتمارين تنفس، وتركيز أو التأمل… ولكن كل هذه هي وسائل لإعداد الجسم لتمارين “روحية”، تقلل من “العقبات” التي تحول أمام تحقيق التنوير.
إنها الممارسة الجسدية التي ترتكز على الاعتقاد بأن الإنسان والله واحد. وهنا ما هو أكثر من تمرين إنه نوع من التركيز على الذات بل عبادتها ، إنها الروحية المتنكرة في زي الرياضة البدنية!!!
أن أرسم إشارة الصليب مرات متكررة، قد يبدو للبعض مجرد تمرين للكتف ولكنه بالتأكيد أكثر من ذلك… وشهادات كثيرة من مؤمنين كانوا ممارسين سابقين لليوغا تحذر من فخ إعتبار هذه الممارسات مجرد رياضة!! ففي اليوغا (مودرا) حركة اليد هي (البوابة) و هناك وضعيات أخرى كال Savasana ( وضعية الجثة) أو ال Bhujangasana وضعية أفعى الكوبرا….
فهل من الممكن بالنسبة للمسيحيين عزل اليوغا عن الفلسفة الكامنة وراءها و إعتبارها مجرد وسيلة لممارسة الرياضة؟؟؟ إن شهادة من كان (غورو) و أصبح (كاهناً)
و هو (Fr. Joseph-Marie Verlinde) تنضح أنه من المستحيل أن نفصل النظرية الدينية في اليوغا عن المنهجية التقنية والأسلوب و الممارسات التي تتطور إلى مراحل …
+ و لكي تحمل هذه السطور أبعد من تحذير لتتخطاه الى إقتراح :
فكم هو جيّد أن نتقن حب التأمل في كلمة الله!! و بدل التركيز على الذات في إنزواء داخلي و تقنيات “تسقط في منحدرات داخلية خفية وغامضة على الوعي”… فلنسعى الى أن “نصلي الكلمة” في هدوء العقل ووعيه قيمة الضيف الثمين : كلمة الله التي تكشف المعنى أو القصد من حياتنا وهذا على ما يقول القديس إغناطيوس دي لويولا : “إنه كشفٌ إلهي لا لعقولنا فحسب إنما لقلوبنا أيضاً.”
بهذا نُعطى ” الخلاص” و “الراحة” لا من خلال تقنيات وتدريبات تشجع الحصول على إجابات لأسئلة الحياة الصعبة داخل الذات بدلاً من كلمة الخالق!!
و كمسيحيين، تنصحنا هذه الكلمة بالذات في أن “نتغيّر عن شكلنا بتجديد أذهاننا” (رومية 12:2)، وليس بتفريغها!!! فالفراغ خطير يفتح الداخل على عدو الله… “اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه (1 بطرس 5:8).
قد يصنف الكثيرون هذا الرأي تحت خانة التشدد، وللأحباء نردد قول بولس الرسول في رسالته الثانية الى أهل كورنتوس :”أية شركة للنور مع الظلمة. وأي اتفاق للمسيح مع بليعال… وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان. فإنكم أنتم هيكل الله الحي كما قال الله أني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا. لذلك أخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب …أكون لكم أبًا وأنتم تكونون لي بنين وبنات … فإذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله.”