عزيزي السائل، أقدّر تشكّيك وموقفك إزاء سكوت الله وصمته! فلربّما مررتَ في ظروف ٍ قاسية صعبة عليك جعلتكَ في هكذا حالة. لكن، مهما كانت تشكّياتك وإحباطاتك ويأسك من ” صمت الله “، فهو ليس بصامت ٍ أبدًا، بدليل أنه هو ” كلمة وحياة “، يعملُ بطريقةٍ لا يمكننا أبدًا أن ندركها (Immediately) فورًا أو في هذه اللحظة ! بل من خلال مسيرة حياتنا وعلاقتنا به.
يقول التعليم المسيحيّ الكاثوليكيّ في (2735) : ” هناكَ أمر يدعو أوّلا إلى العجب. عندما نسبّح الله أو نشكره لأجل إحساناته عمومًا، لا نقلقُ لمعرفة هل صلاتنا مرضيّة لديه. وبإزاء ذلك نقتضي أن نرى نتيجة طلبنا. فما هي إذن صورة الله التي تحملنا على الصلاة؟ وسيلةٌ نستعملها أو أبو ربّنا يسوع المسيح؟ فعلا، هل الله هو خادمٌ لرغباتنا وطموحاتنا، وقطعُ غيار وقت الحاجة، ومهدّئ في الأوقات الصعبة، أم هو فعلا الإله الحقّ أبو ربّنا يسوع المسيح…! ” إذا صلّينا بقلب ٍ مقسّم ” فاجر “، تقول رسالة يعقوب 4 : 4، لا يستطيعُ الله الإستجابة َ لنا، لانه يريدُ خيرنا، وحياتنا وخلاصنا. ” لا تجزع إذا لم تتلقّ من الله على الفور ما تسأله، فهو يريد أن يزيدك خيرًا بمواظبتك على البقاء معه في الصلاة” (إيفجريوس).
قد لا تكونُ الصلاة التي نوجّهها الى الله فاعلة، ولربّما تكون محض كلمات فقط، لا تهمّ خلاصنا. والله يريد خيرنا وخلاصنا. فالكشفُ عن الصلاة في تدبير الخلاص يعلّمنا أنّ الإيمان يستندُ إلى عمل الله في التاريخ. وعلينا أن نكون واثقين ثقة ً بنويّة مبعثها عمله المتميّز أي آلامُ ابنه وقيامته.
يعلّمنا يسوع كيفَ نصلّي، بحيث تجعلُ صلاتنا المسيحيّة طلبــــــــــــــًا فاعلا. إنه مثالها، فهو يصلّي فينا ومعنا. وبما أنّ قلب الابن لا يلتمسُ إلاّ ما يرضي الآب، فكيف يتعلّق قلبُ الأولاد بالتبنّي أكثر ممّا بالمُعطي؟ يسوع يصلّي أيضا لأجلنا، وبدلا منّا ولمصلحتنا. وكلّ طلباتنا قد جُمعتْ مرّة واحدة عن الكلّ في صراخه على الصليبْ، واستجابها الآب في قيامته. علينا الثقة بأن صلاتَنا سوف تُستجاب باس الربّ، لا يمكنُ أبدًا تصوّر أنّ الله، في صلاتِنا، هو ساحرٌ أو مارد يخرجُ من قمقمه ملبّيا طلباتنا! فهكذا إلهٌ بعيدٌ عن ما كشفه لنا يسوع الابن.
علينا الحذر، كلّ الحذر من إستعمال وإستخدام الله. فقد نقعُ في تجربة، ويقع فيها الكثيرين الآن في عالمنا، تجربة الشعور الدينيّ المريض، بمعنى: إرضاء الله بتقدمات ٍ لكي يستجيب لنا، ” نقدّم له ممّا عندنا، لعلّه يعطينا أيضا ما نريده”، إستمالة عطف الله، إنه وسواسٌ دينيّ مرضيّ. إنها صورة هزليّة لله، هذا ما يؤدّي إلى تقديس العادة المرضيّة بدلا من تقديس إسم الله.
علينا التخلّص من هذا الإله الذي يُستعمَل وقت الحاجة للأغراض اليوميّة. إلهنا يعرف ما نشعر به وما نريده. يحبّ أن يسمعَ منّا ما به نتألّم، لأنه تألّم هو أيضا. ولا ننتظرُ فورًا إجابة سريعة فوريّة منه، لأنه هو أدرى بالقضيّة منّا! ولا يمكنُ التشكّي أيضا من أنّ الله هو الذي يأتي بالكوارث والمصائب والشرور والأمراض المزمنة التي، أن وُجدَت، نلقيها على الله وكأنه ” شمّاعة” ! .
أيّوب الرجل البار، تعرفونَ ما أصابهُ من آلام ومرض وتشكّي وتعب ٍ، حتى إنّ زوجته قالت له: ” أكفر ومتْ”، لكنّه لم يفعل ذلك ولم يكفر، فأصبحَ أيوب الرجل الصابر القويّ في إيمانه. لانه انتظرَ من الله الجواب ولم يتسرّع في الحُكم مثلنا، ولم ييأس ويصاب بالإحباط والضجر والتشكّي المرضيّ. كلّ جنود الإيمان وشهداء الإيمان من آباء وقدّيسين، تألّموا في حياتهم، ووصلوا لمرحلة ٍ مؤلمة جدّا في التجارب، لكنّهم بقوا صامدين بوجه كلّ ضيق ٍ وأصبحوا علمًا في الإيمان، و نحنُ الآن نسيرُ على مثالِهم.