المسيـــــح الدجّــــــــال والعصر الجديد (1)

آآآآآه …. ! لكم فكّرتُ طويلا وتأمّلتُك كثيرًا وصبرت وانتظرت، وها قد حانت الساعة لكتابة هكذا موضوع، بالنسبة لي، ” موضوع الساعة اليوم “!. فهو يختصرُ كلّ المسيرة الطويلة للمسيحيّة من القرون الآولى إلى القرن الحادي والعشرين وما فيهما من صراعات ٍ […]

Share this Entry

آآآآآه …. ! لكم فكّرتُ طويلا وتأمّلتُك كثيرًا وصبرت وانتظرت، وها قد حانت الساعة لكتابة هكذا موضوع، بالنسبة لي، ” موضوع الساعة اليوم “!. فهو يختصرُ كلّ المسيرة الطويلة للمسيحيّة من القرون الآولى إلى القرن الحادي والعشرين وما فيهما من صراعات ٍ وحوادث ومآسي وهرطقات وبدع من هنا وهناك، وتيّارات غريبة عن الإيمان، وأخرى حديثة لا علاقة لها بالإيمان. كنتُ دائمًا وأنا جالسٌ أو واقفٌ، أو في مكان عملي، أفكّر ماذا سأكتبُ عن هكذا موضوع ٍ كبير ومهمّ وصعبْ! ليس أفكارًا ونظريّات، بل نقل واقع يوميّ، إنسانيّ، إجتماعيّ، لا بل وحتى أسريٌّ!.
الموضوع كبير، لكن ولأنّه كبير؛ سيكونُ على شكل أجزاء.  فسنتطرّق لمحاور عديدة للموضوع، إن كانت بحسب النظرة الكتابيّة واللاهوتيّة والكنسيّة حول المسيح الدجّال، وأخرى بحسب النظرة المعاصرة اليوم وتفسير بعض الأحداث التي نعاصرها ونشاهدها، وأخيرًا سيكون التطرّق للموضوع بحسب الخبرة اليوميّة الواقعيّة التي نعيشها.
بدءًا، عليكم أن تحتملونني في طرحي للموضوع هذا، فهو موضوعٌ معقّد وكبير وصعبْ!  ربّما يكونُ، بالنسبة لكم، موضوعًا كاملا وشاملا، لكن بالنسبة لي، ربّما يكون ناقصــــــًا ويحتاجُ لدراسات أكاديميّة موسّعة، لا ندري!.
سوف لن أخرجَ في تفسير ” المسيح الدجّال ” ، عن تعليم الكتاب والتعليم المسيحيّ وما يقوله المفسّرون واللاهوتيّون وعلماء الكتاب المقدّس. فهكذا تعوّد جميع قرّائي الكرام. طاعتي للتعليم وللكنيسة وللكتاب، هم أهمّ مرتكزات إيماني، بعد الله طبعًا. لذا، فالتفسير الإنفراديّ أو الأحاديّ، أو المزاجيّ، لا يجدونَ نفعــــــًا. فكلّ تفسير ٍ مزاجيّ، يعكِسُ ما أنا أنظره بحسب ما يُمليه عليّ واقعي ووجهة نظري، بعيدًا عن التعليم الرسميّ الذي صارَ بنعمة الروح القدس ، وشهادة الجماعة. خصخصة َالإيمان أمرٌ سلبيّ، ما نريدهُ هو” جماعة الإيمان “.
المحور الأوّل، سيكون بحسب الكتاب والتعليم الرسميّ. والمحور الثاني، سيكونُ أيضا ممّا يقوله المفسّرون واللاهوتيّون، لكن المحور الأخير، سيكونُ بحسب خبرتي الشخصيّة ورؤيتي للموضوع منظار  واقعنا اليوميّ لعلّني أوفّق في التشخيص !
المسيح الدجّال بحسب الكتاب المقدّس واللاهوت الكتابيّ
مسيح دجّال .. تعني لفظة Antichrist حرفيّا ” ضدّ المسيح “، تظهرُ فقط في رسائل يوحنا (1 يوحنا 2 : 18 و 22 ،4 : 3) ، و (2 يوحنا7). لكن  الحقيقة نفسها، أو حقيقة مماثلة لها، هي المعنيّة في النصوص المختلفة، الخاصّة بالأزمنة الأخيرة من العهد الجديد (مرقس 13 : 14 ، 2 تسالونيكي2 : 3 – 12 ، رؤيا 13 : 2 – 18) . وحيث إنّ  هذه الحقيقة تدخل في إطار من الثنائيّة يقرّ بها العهد القديم، فينبغي أوّلا أن نبحث فيه عن أول إعلان عنها. وإن كان هذا الإعلان تمّ بطريقة ناقصة إلاّ أنه لا يخلو من الإشارات المفيدة.
العهد القديم
منذ العهد القديم، نرى أنّ عمل الله في هذه الدنيا، يصطدمُ بقوى مضادّة تتّحذ، وفقـــــًا للظروف، صورًا وأشكالا متنوّعة.
1 – إنّ الشرق القديم المشبّــــع بالرمزيّة الدينيّة قد قدّم للوحي تصوّرا شعريّــــا للخليقة، على شكل صراع بين الله الخالق، وقوى الخواء: وهي الحيوانات الوحشيّة التي تمثّل قوى البحر الهائجة الجوامح (اشعياء 51 : 9 – 10 ، مزمور 74 : 13 – 14 ، 89 : 10 – 12) . ولقد أفاد هذا الاسلوب الأسطوريّ نفسه، بعد تطهيره من آثــــــار الوثنيّـــة، في التنويه عن ” الأزمنـــــــــــة الأخيرة “، على شكل صراع يهوه ضدّ الحيّة (إشعياء 27 : 1). ونجدُ هذا الاسلوب أيضا على الأرجح، في خلفيّة الدرامة الأصليّة، في سفر التكوين، يتّخذ الخصم المقاوم للتدبير الإلهيّ شكل الحيّة الأسطوريّة (تكوين 3). وهكذا، خلال الرموز، يبدو وجه ابليس في طريق تدبير الخلاص، انه خصم الله الأساسيّ.
2 – على أنه في إطار التاريــــخ، يعمل إبليس في هذه الدنيا بواسطة قوى بشريّة. ويصبح أعداء شعب الله، خصوم الله نفسه، عندما يحولونَ دون مقصد العناية الإلهيّة. هكذا كانت مصر في زمن الخروج، وهذا هو حال حكّام آشور وبابل الطغاة، الذين يذلّون إسرائيل ويعبدونَ الآلهة الباطلة، محاولينَ بسط سلطانها الروحيّ في هذه الدنيا. وأخيرًا، هذا هو الحال، عند جميع الملوك الوثنيّين الذين، بكفرهم الذي لا حدّ له ، يهدفونَ إلى مساواة أنفسهم بالله (حزقيال 28 :2 – 4، إشعياء 14 : 13). ويتضمـــّن التاريخ إذن، مجابــــــــــهة مستمرّة بين يهوه وتلك القوى التاريخيــــــــــّة، في إنتظار المجابهة النهائيّة حيث يهزم جوج ملك ماجوج، إلى الأبد ( حزقيال 38 و  39)، وبعد ذلك، سيتحقق الخلاص النهائيّ أي ” الاسكاتولوجيّ”.
3 – إنّ عملَ أنطيوخوس أبيفانس، عدوّ اسرائيل، وفي الوقت نفسه، المضطهد لعبّاد الله الحقيقيّين، يتيح لدانيال النبيّ أن يجمعَ بين التصوّرين السابقين : فهو الكافر الذي يسعى لإحتلال مكان الله ( دانيال 11 : 36)، والذي يقيم ” رجاســــــــــــــــــــة الخراب ” في الموضع المقدّس (9 : 27) (نستطيعُ أن نعطي صورة ما يحدثُ في عالمنا من قتل وذبح وتشريد ٍ وإضطهاد ٍ، لــ ” رجاسة خراب ٍ – مخرّب شنيع ! “، مجرّد تكهن لا أكثر ولا أقلّ). وهو أيضا القرن الحادي عشر الذي ينبت على الوحش الرابع ذي الشكل الشيطانيّ ( 7 : 8). ولذلك فإنّ دينونته وتدميره يمهدّان لتأسيس ملك الله ( 7 : 11 – 27 ، 11 : 40  ، 12 : 2).
العهد الجديد
عدوّ الله في العهد القديم، يصبح إذن المسيح الدجّال، الذي يعملُ من الآن، خلال أعوانه، قبل ان يظهرَ نفسه بجلاء ٍ في المعركة الأخيرة، حيث سيهزم نهائيّا.
1 – منذ الأناجيل الإزائيّة، في مقاطعها الرؤيويّة، نرى ” الضيق الشديد “، الذي أعلن عنه يسوع، كمقدّمــــــة لمجيء ابن الإنسان في مجده، يشتملُ على ظهور ” مُسَحاء كذبة ” (ويا مكثرهم اليوم !). فهم بالتضليل يجذبونَ البشر إلى الكفر ( مرقس 13 : 5) ، (متى 24 : 11)، كما أنه سيتميّز بإقــــامة ” رجاســــــــة الخراب” في الموضع المقدّس ( مرقس 13 : 14).
2 – في2 تسالونيكي 2 : 3 – 12، إنّ خصم الأزمنة الأخيرة، ابن الهلاك، وأخا الإلحاد، يتّخذ هيئة منافـــــس حقيقيّ لله، على مثال أولئك الذين ذكرهم العهد القديم. ولكنه سيظهر أيضا على شكل مسيح دجّال، يُحاكي هيئة الربّ في مجيئه وموعده الخاصّ المعيّم من الله، وقدرته ا لفائقة الطبيعة التي تجري آيات وأعاجيب كاذب لهلاك بني البشر بمختلف الطرق والأساليب ( 2 : 8 -10). هكذا سينجز في هذه الدنيا عمل الشيطان ( 2 : 9). وإنّ سرّ الإلحاد الذي سيكون من صنعه، قد أخذ في العمل منذ الآن (2 : 7)، ولذلك ينحرف الكثيرو ويرغبونَ في الباطل بدلا من أن يؤمنوا بالحقّ. وإن لم يظهر الملحد بعد، فذلك لأن هناك شيئا أو شخصًا يحول دونه ( 2 : 7): وفي ذلك، إشارة تنطوي على لغز ٍ لم يكشفه لنا الرسول بولس. وعلى كلّ حال، فإنّ استعلان الملحد سيسبق مجيء المسيح الثاني الذي يمحقه بضياء مجيئه ( 2 : 8).
3 – يستحضرُ سفر الرؤيا تصوّرا إسكاتولوجيّا مماثــــلا، مستعينــًا برمز الوحشين الهائلين، الأوّل هو قوّة سياسيّة تجدّف على الله، وتجعلُ من نفسها معبودًا وتضطهدُ المؤمنين الحقيقيّين (وهذا واضحٌ الآن في عالمنا واللبيب يفهم !) . أما الثاني فهو حقيقة ذات طابع دينيّ، تقلّد الحَمَلْ (أي المسيح)، وهو ينجز عجائب كاذبة ويضلّل الناس ليحملهم على عبادة الوحش الأوّل ( 13 : 11 – 18). هكذا يتمّ في هذه الدنيا، عملُ إبليس، التنين القديم، الذي ينقل سلطانه إلى الوحش الأوّل. وهذا التصوّر الرمزيّ المهَيب يخصّ ” الأزمنة الأخيرة “، إلاّ أنه يقصد، بألفاظ مبهمة، الحالة الحاضرة حيث تناضل كنيسة المسيح الواقعة تحت اضطهاد الإمبراطوريّة الرومانيّة الوثنيّة. يقولُ علماء اختصاصيّين في الكتاب المقدّس، التنين يمثّل الشيطان (بالعبريّة : العدو)، أو ابليس (باليونانيّة : مُحدِث الإنقسام)، أو ” الحيّة القديمة”، ” حيّة البدايات” (تكوين 3). لونه أحمر ورؤوسه السبعة وقرونه العشرة = قوّته الدمويّة ضد شعب الله. انه المسخ الاسطوري للخواء، لوياتان، الذي سيغلبه الله في نهاية الأزمنة. ( أشعياء 27 : 1).
4 – في رسائل القديس يوحنا، يشير لفظ المسيح الدجّال أساسًا إلى حقيقة راهنة، وهي أنّ كلّ مَن ينكرُ أن يسوع هو المسيح، وينكر الآب والابن ( 1 يوحنا 2 : 22) يكونُ هذا هو ” المسيح الدجّال “. لذلك، مَن لا يعترف بيسوع المسيح الذي تجسّد ( 1 يوحنا 4 : 3 ، 2 يوحنا 7)، فإنه مضلّ ومسيحٌ دجّال. ويشيرُ يوحنا بوضوح ٍ إلى الهراطقة والجاحدين الذين تتمّ فيهم الردّة التي أنبأ يسوع وتحدّث عنها القديس بولس، إنّ ما كان منتظرًا في الأيّام الأخيرة يتحقق الآن. ولكن دراما الإيمان الحاضرة يجبُ أن تفهم بنظرة أوسع، يعرضها لنا كاتب الرؤيا بوضوح أكثر.
رغم ذلك، يقولُ الاب كزافييه ليون دوفور اليسوعيّ، يظلّ التعليم عن المسيح الدجّال محاطــــــًا بغموض. وهو لا يفهم إلاّ من خلال الحرب الدهريّة حيث يواجه الله ومسيحه الشيطان وأعوانه الأرضيّين.  فمن خلال الطريق المزدوج القائم في الاضطهاد الدنيويّ من جهة والتضليل الدينيّ من جهة أخرى، هناك مجهودات لإحباط قصد الخلاص. ويكونُ من قبيل الخطأ أن نحاول تعيين أشخاص تاريخيّين لكلّ رمز من الرموز المستخدمة من حيث الإشارة إلى وجودهم. ولكنّ كلّ مَن يعمل على منوال المسيح الدجّال  يشـــــتركُ بدرجة ٍ ما في سرّه. وستستمرّ حركة المقاومــــة هذه في العمل، بدون هوادة على مرّ التاريخ، حيث يوضع البشر في قلب  ” صراع ” لا يمكنُ أن تنتصر فيه أيّة وسيلة ٍ بشريّة. ولكن حيث يفشلُ البشر، سينتصرُ الحَمَل (رؤيا 17 : 14)، وسيشترك شهوده في انتصاره ( 3 : 21).
يتبع

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير