ينبغي أن نعلم أن المسيح الدجال لا محالة آت، وأنه لمسيح دجال كلّ من لا يعترف أن ابن الله قد أتى بالجسد، وأنه إله كامل وأنه قد صار إنسانًا كاملًا بعد أن كان إلهًا. ومع ذلك فبالمعنى الخاص والحصري فإنهم يدعون المسيح الدجال ذاك الذي سوف يأتي في منتهي الدهر. ومن ثم ينبغي أن يُكرز أولًا بالإنجيل في جميع الأمم (مت14:24)، كما قال الرب، ثم يأتي الدجال ليحاج اليهود مقاومي الله، فقد قال الرب لهؤلاء: “أنا أتيت باسم أبي فلم تقبلوني، ويأتيكم آخر باسم نفسه فذاك تقبلون” (يو 5: 43). وقال الرسول أيضًا: “لذلك يُرسل الله إليهم عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، ويُدان جميع الذين لم يؤمنوا بالحق بل ارتضوا بالإثم” (2 تس 2: 10-12).
ضد المسيح في الكنيسة الأولى:
منذ انطلاق الكنيسة للعمل الكرازيّ والتعبديّ بعد العنصرة، كانت توجّه أنظار أولادها إلى حقيقتين أخرويّتين:
- مجيء السيَّد المسيح الأخير، حيث يحمل كنيسته معه إلى حضن أبيه، لتشاركه مجده. الآن تتمتع الكنيسة بحلول السيَّد المسيح في وسطها وسكناه في قلوب المؤمنين، لينعموا بعربون مجده الداخليّ، وتلتهب قلوبهم بالشوق كي تراه وجهًا لوجه.
- مجيء ضدّ المسيح، المقاوم للحق، والذي يدخل في معركة حاسمة أخيرة لحساب إبليس في أواخر الأزمنة. يبثّ ضد المسيح كل أنواع الخداع والفساد، إن أمكن أن يضل حتى المختارين. ويعد لهذا المضل أضداد للمسيح في كلّ عصر.
ضد المسيح في العصر الرسولي:
يتحدّث القديس يوحنا الحبيب عن أضداد المسيح في عصره، قائلًا: “أيّها الأحباء لا تصدقوا كل روحٍ بل امتحنوا الأرواح، هل هي من الله، لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم… هذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي والآن هو في العالم” (1 يو 4: 1-3). هكذا يُحذرنا القديس يوحنا من أضداد المسيح الذين هم أنبياء (معلمين) كذبة لا ينطقون بالحق. وفي نفس الوقت يوجّه القديس بولس أنظارنا إلى ضد المسيح الذي يرتبط مجيئه بحالة ارتداد خطيرة في نهاية الأزمنة، إذ يقول: “لأنه لا يأتي (يوم المسيح) إن لم يأتِ الارتداد أولًا، ويُستعلن إنسان الخطية، ابن الهلاك، المقاوم، والمرتفع على كل ما يُدعى إلهًا أو معبودًا، حتى أنه يجلس في هيكل الله كإلهٍ، مظهرًا نفسه أنه إله” (2 تس 2: 3-4).
في عصر الآباء الرسوليين:
يحدّثنا واضع الديداكية (القرن الثاني – بعض نصوصها ترجع إلى القرن الأول) عن ضد المسيح بكونه مضلل العالم، الذي يدَّعي أنه ابن الله، يحكم على الأرض ويصنع آيات وعجائب ويضطهد المؤمنين. لكن تتحقّق النصرة الكاملة للسيّد المسيح بظهور علامة (الصليب) في السموات المفتوحة، ويُسمع صوت البوق، ويقوم الأموات. عندئذ يأتي السيَّد المسيح ومعه جميع قديسيه على سحب السماء.
هذا ويربط واضع الديداكية بين مجيء السيَّد المسيح وانتشار البغضة والكراهية مع الظلم.
يدافع القديس بوليكربس أسقف سميرنا عن التجسّد الإلهي، وموت السيَّد المسيح على الصليب، حاسبًا أنّ من ينكرهما هو ضد المسيح ومن الشيطان والابن البكر لإبليس.
* القديس يوستين الشهيد (حوالي 100-165):
يتحدّث عن إنسان الخطية بكونه إنسان الارتداد الذي ينطق بما هو ضد العليّ، ويتجاسر بارتكاب أعمالٍ شريرةٍ ضد المسيحيين.
القديس ابريناوس:
يقول: مع كونه لصّا ومرتدًا يهتمّ أن يُعبد كإله، ومع كونه عبدًا مُجرّدًا يرغب في إقامة نفسه ملكًا؛ وإذ يحمل قوة إبليس يأتي لا كملكٍ بارٍ خاضع لله، وإنما كإنسانٍ مُقاوم، فيه يتركز كل ارتداد شيطاني، مُخادعًا الناس بكونه الله.
يرى القديس ايريناوس وكيرلس الكبير، أن ضد المسيح يقوم بتجديد الهيكل اليهوديّ في أورشليم كمركز لعمله. بينما يرى القديسون يوحنا الذهبي الفم وأغسطينوس وجيروم والأب ثيؤدرت، أنه يتربّع في هيكل الكنيسة المسيحيّة. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “إنه يجلس في هيكل الربّ ليس فقط في أورشليم، وإنما في كل كنيسة”.
على أي الأحوال، إن كان السيَّد المسيح قد جاء إلى العالم ليكرّس كلّ قلب كهيكلٍ مقدس للثالوث القدوس، وخلال هذا التقديس يعود للهيكل الإلهي قدسيته، فإن ضد المسيح يأتي ليهدم القلوب ويُفسد الهيكل القائم مغتصبًا إيّاه لحسابه، كما يفسد كنائس الرب ويضطهدها.
العلامة ترتليان (160-240 م. تقريبًا):
ساد في القرون الأولى اعتقاد بأن هذا الإنسان يظهر بعد زوال الدولة الرومانية، وكانوا يتطلعون إلى الإمبراطورية كقوّة مقاومة لظهوره. يقول العلامة ترتليان: [أي عائق له إلاَّ الدولة الرومانية، فإنه سيظهر الارتداد كمقاومٍ وضد المسيح. كما يقول: [نلتزم نحن المسيحيون بالصلاة من أجل الأباطرة واستقرار الإمبراطورية استقرارًا كاملًا، فإننا نعرف أنّ القوة المرعبة التي تهدّد العالم يعوقها وجود الإمبراطورية الرومانيّة. هذه القوة التي لا نُريدها، فنصلي أن يؤجل الله ظهورها… بهذا تظهر إرادتنا الصالحة لدوام الدولة الرومانية.
يرى أن ضد المسيح قد اقترب مجيئه جدًا، فيقول: [إنه الآن على الأبواب، يتوق إلى دم المسيحيين لا إلى الأموال.
يتبع