نصلُ الآن إلى القسم الثالث من موضوعنا حول ” المسيح الدجّال ” ولا زلنا عند نظرة آباء الكنيسة. إنها فقط معلومات ٍ مهمة عمّا ذكروه آباءنا القدّيسين، ومؤكّد أنها ضروريّة لتقوية إيماننا المسيحيّ والثباتَ فيه. وستكونُ هذه النظرة (بحسب الآباء)، نوعًا ما ، كمقدّمة للموضوع الشامل الكبير الذي سنتحدّث عنه بنعمة المسيح.
العلامة أوريجانوس
يتحدث العلامة أوريجانوس عن الآيات الشيطانيّة التي تتبع ضد المسيح وجودها، لكنها آيات خادعة وعاجزة، إذ لا تقدر أن تغيّر طبيعتنا الفاسدة إلى طبيعة مقدسة، ولا أن تهب نموًا في الحياة الفضلى، بل أنّ الممارسين لها أنفسهم لا يسلكون في نقاوة.
يرى أيضا أنّ إنسان الخطيئة، وهو يحمل أعمال الشيطان بكل عنفها وخداعها، إنما يمثل الكذب الذي لا يمكن أن يكون له وجود بإعلان ظهور مجيء المسيح، أي ظهور الحق. فظهور المسيح يسوع شمس البر في أواخر الدهور يقضى تمامًا على ظلمة عدو الخير، ويدفع بها إلى العذاب الأبدي، وإعلان الحق يحطم الكذب.
إذ اتّبع العلامة أوريجانوس منهج التفسير الرمزيّ جاء تفسيره للأصحاح 24 من إنجيل متى( 24 : 3 – 4) رمزيًا، فيرى ضدّ المسيح هو التفسير الزائف للتعليم المسيحي والفضيلة المسيحيّة. أما أحداث الأزمنة الأخيرة فهي:
* المجاعة التي تسبق مجيء المسيح هي مجاعة المسيحي للمعنى الذي هو تحت سطح الكتاب، أي المعنى الروحي أو الرمزي المختفي وراء الحرف.
* الأوبئة هي الخطابة المؤذية للنفس التي يستخدمها الهراطقة والغنوصيون.
* الاضطهادات هي التعاليم الباطلة التي يشوّه بها المخادعون الحق المسيحيّ.
* رجاسة الخراب في الموضع المقدس هو التفسير الخاطئ للكتاب المقدس.
* السحاب الذي يظهر عليه المسيح هو كتابات الأنبياء والرسل التي تعلن عنه في النفس.
* السماء التي نتمتّع بها هي الأسفار المقدسة التي تقدّم لنا الحق.
* النصرة النهائيّة هي إعلان الإنجيل في العالم.
استخدام العلامة أوريجانوس للتفسير الرمزي هنا لا يعني إنكار مجيء ضد المسيح كشخصٍ حقيقيٍ وذلك في أواخر الأزمنة.
* القديس هيبوليتس أسقف روما[301] (القرن الثالث):
في مقاله “عن المسيح وضد المسيح De Christo et Antichristo” الذي اعتمد فيه على اقتباسات من العهدين: القديم والجديد، قال إن التاريخ سينتهي بظهور طاغيةٍ عنيفٍ، يقلد المسيح لكي يغلب كل الأمم لحسابه. سيقوم ببناء الهيكل في أورشليم، ويكون أساسه السياسي هو مملكة روما (بابل الجديدة).
سيدعو ضد المسيح كل الشعب لتبعيّته، ويغويهم بوعود باطلة، ويكسب الكثيرين إلى حين. ولكن إذ يبلغ الأمر إلى القمّة يأتي الرب ويسبقه النبيّان يوحنا المعمدان وإيليا؛ يأتيان بمجدٍ، ويجمعان مؤمنيه معًا في موضع الفردوس. سيحدث حريق ويسقط رافضو الإيمان تحت الحكم العادل. عندئذٍ يقوم الأبرار إلى الملكوت والخطاة إلى نارٍ أبدية.
يفترض القديس هيبوليتس أن ضد المسيح سيكون يهوديّا، ويحدّد أنه من سبط دان، ويشترك القديس إيريناوس معه في ذات الرأي.
وفي تفسيره سفر دانيالCommentary on Daniel الذي يُعتبر أقدم تفسير آبائيّ للسفر بين أيدينا، يربط القديس هيبوليتس بين مملكة ضد المسيح ونهاية العالم التي تتم بعد 6000 عامًا من الخليقة حيث يستريح الرب في اليوم السابع.
* كوموديان Commodian:
توجد قصيدتان شعريّتان باللاتينية ترجعان إلى النصف الثاني من القرن الثالث أو إلى القرن الرابع، وهما منسوبتان لكوموديان، أول مسيحي لاتيني شاعر، هما Carmen de Duobus populis, Instructions يتحدثان عن الأيام الأخيرة هكذا:
سيقوم نيرون من الجحيم كضد المسيح يُحارب الكنيسة، وسيقف أمامه إيليا النبي الذي يرجع إلى العالم. وأن المسيح الغاش هو إعادة حياة نيرون الذي سيصنع معجزات في اليهودية. وتشير القصيدة Carmen عن مجيء ضد آخر للمسيح في الشرق، بينما تُشير القصيدة الأخرى إلى ظهور ضد واحد للمسيح، وهو نيرون الذي يأتي إلى أورشليم بعد نصرته على الغرب وخداعه لليهود الذين يقبلونه بكونه المسيَّا.
* القديس أثناسيوس الرسولي (حوالي 295-373):
إذ ذاقت الكنيسة الأمرّين من أريوس، تطّلع البابا أثناسيوس إليه كضد المسيح، لكن لا بروح الخوف والقلق، بل بروح النصرة والغلبة على الشر. ففي رسالته الفصحية العاشرة يقول: [كيف يُذكى طول الأناة ما لم تأتِ أولًا اتهامات ضد المسيح الباطلة والمخادعة؟! دعي أريوس ” السابق” لضد المسيح، الذي يُهيء لمجيء ضد المسيح. وقد دافع عن حرم وعزل الكنيسة لأريوس أنه بإنكاره لاهوت المسيح اقترب جدا من ضد المسيح.
يتبع
المسيح الدجال والعصر الجديد (3)
نصلُ الآن إلى القسم الثالث من موضوعنا حول ” المسيح الدجّال ” ولا زلنا عند نظرة آباء الكنيسة. إنها فقط معلومات ٍ مهمة عمّا ذكروه آباءنا القدّيسين، ومؤكّد أنها ضروريّة لتقوية إيماننا المسيحيّ والثباتَ فيه. وستكونُ هذه النظرة (بحسب الآباء)، نوعًا ما […]