Creation of man

WIKIMEDIA COMMONS

إنّ موقف الإنسان الخاصّ لا ينتج من مشابهته ما هو أدنى منه، أي الحيوانات، بل من مشابهته ما هو أعلى منه: الله !

الحلقة الخامسة

Share this Entry

الإنسان هو من بين جميع الكائنات الحيّة الكائن الوحيد الذي يمكنه أن يتساءل عن ذاته، والذي يلاقي في هذا السؤال سرّا يعجَزُ هو نفسه عن حلّه. كلّ الأجوبة عن السؤال عن سر الإنسان، مهما كانت غنيّة وعميقة، تبقى جزئيّة ما لم تتصوّر الإنسان بالنظر إلى أساسه الأخير وغايته القصوى. هذه الفقرة، كانت خاتمة الحلقة السابقة. وسنُكمِلُ  في طرحنا لـــ ” ما هو الإنسان”، الذي أدخلناه في موضوع الحريّة لما له من أهميّة.

الإنسان كائنٌ مخلوق وليس خالق. . .

عن السؤال ” ما هو الإنسان “جوابُ الكتاب المقدّس الأساسيّ هو : الإنسان خليقة الله. إنه مدينٌ لله بكيانه وبكلّ ما هو عليه. الله أرادَ له كيانه ويحفظه فيه. هو في الوجود لأنّ الله دعاه باسمه: أريد أن تكون. لذلك العملُ الأساسيّ لوجوده هو الحمدُ والثقة :

” أنت الذي كوّن كليتيّ، ونسجني في بطن أمّي، أحمدُك لأنّك أعجزتَ فأدهشت، عجيبٌ أنا، وعجيبةٌ أعمالك. نفسي أنتَ تعرفها حقّ المعرفة، لم تخف ِ عظامي عليك، حين صُنعتُ في الخفاء وطُرّزتُ في أسافل الأرض. رأتني عيناكَ جنينــــــًا، وفي  سفرك كُتِبَتْ كلّ الأيّام التي حُدّدت، جميعها صُوّرت قبل أن يوجَد أيٌّ منها. أللهمّ ما أصعبَ أفكاركَ عليّ، وما أكثرَ مجموعها ! أعدّها فتزيد على الرمال! ومتى انتهيتُ،  لا أزال معك” (مزمور 139 : 14 – 18). ما أروع هذه الكلمات. إنها كلماتٌ لا تخرجُ إلاّ من شخص ٍ أستحوذت عليه خبرة الله الحيّة، وليست مجرّد كلمات هاو ٍ يريدُ فقط أن يكتب شعرًا أو نثرًا !

من يقرأ ويتأمّل في الكلمات أعلاه، قد يصدرُ من عقله سؤالا: هل تثبتُ تلك الأقوال عن خلق الإنسان خلقـــــــًا مباشرا من الله إزاء نظريّة التطوّر المعاصرة؟ الجوابُ عن هذا السؤال هو عينه الجواب عن السؤال عن تطوّر سائر الكائنات الحيّة: إنّ قدرة الله المُبدِعة التي هي ” العلّة الآولى ” الشاملة كلّ المخلوقات لا تنفي، بل تتضمّن  ” عللا ثانية ” استقتْ من الله قدرتها على التطوّر.

الكنيسة في عقيدتها، تميّز بين نشأة الإنسان ونشأة سائر الكائنات الحيّة. ففيما تفسحُ في المجال من جهة للنقاش العلميّ الحرّ حول صدور الحياة البشريّة من كائنات حية سابقة للحياة البشريّة، تتمسّك من جهة أخرى، بخلق الروح البشريّ خلقا مباشرًأ من قبل الله ( دنتسنغر 3896). وبهذا تثبتُ أنّ الإنسان هو أكثر من حصيلة تطوّر بيولوجيّ عضويّ. إنه ليس نتيجة صدفة ٍ من صُدَف التطوّر، بل إن كلّ إنسان بمفردة، أراده الله إرادة ً فريدة وشخصيّة. كلّ إنسان هو فكرة فريدة من فِكَر الله الخلاُّق. هنا يكمن الأساس العميق لكرامة الإنسان كشخص مُنِح نفسا روحيّة. لكنّ الله، في تحقيق دعوته الخلاّقة هذه، يستخدمُ عللا ثانية. هذا يصحّ في نشأة الإنسان الأوّل من أنواع  حياة ٍ سبقت الحياة البشريّة (الأنسنة) كما يصحّ أيضا في صيرورة كلّ إنسان بمفرده في عمل الإنجاب. فالأزواجُ يُسهمونَ في نقل الحياة من محبّة الله الخالق، وهو في الوقت عينه، بمثابة المترجمين عن تلك المحبّة. إذ أنهم صورة الله.

 بمَ تقومُ كرامة الإنسان ؟ ما التميّز بين خلق الإنسان وخلق سائر الكائنات الحيّة؟؟

يميّز الكتاب المقدّس بين خلق الإنسان وخلق سائر الكائنات الحيّة. هذا  ما يظهرُ من خلال رواية الخلق الثانية التي هي الأقدم والتي، فيما تشير بإيجاز إلى خلق سائر الخلائق، تتوسّع في خلق الإنسان وتضعه في وسط المخلوقات الأخرى. الإنسان (آدم) أخِذ من الأرض (أدَمه)؛ ولكنّ نسمة الحياة التي فيه إنّما نفخها الله مباشرة في أنفه ( تكوين 2 : 7).  والرواية الآولى والأحدث تعدّ خلق الإنســــان ” ذروة الخليقة ” . فتروي هذا الحدث بإحتفال ٍ خاصّ وتسمّي تميّز الإنسان من سائر الخلائق ” صورة ” الله في الإنسان.

” ….  صورة الله خلقه، ذكرًا وانثى خلقهم … ” ( تكوين 1 ). فيمَ تقومُ تلك الصورة الإلهيّة في الإنسان؟

هناكَ أجوبةٌ كثيرة أعطيَت: الإنسان يتميّز من سائر الكائنات الحيّة بشكله المنتَصِبْ، الذي هو علامة تساميه . الإنسان أقيمَ سيّد الأرض وسائر الكائنات الحيّة؛ فهي أعطيَت له لمنفعته وأوكلتْ إليه لعنايته، وهو مدعوّ إلى أن يمثّل سيادة الله بمثابــــــة  ” وكيـــــــل الله ” في العالم. (حك 2 : 23). كلّ هذه المعاني تتضمّن أمورًا صحيحة. والأهمّ في هذا كله هو : إنّ موقف الإنسان الخاصّ لا ينتج، في نظر الكتاب المقدّس، من مشابهته ما هو أدنى منه، أي الحيوانات، بل من مشابهته ما هو أعلى منه، من مشابهته  الله. من بين كلّ الكائنات الحيّة، الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتلاءَم مع الله، الذي يستطيعُ أن يصغي إلى الله ويجيبه. الإنسان مخلوقٌ بمثابة ” عامل مع الله “، ومدعوّ إلى الشركة مع الله. ويتمتّع بإنسانيّة حقيقيّة بقدر ما يلتفت إلى الله ويعترف بسيادة الله. معنى كيانه وملؤه هما في تمجيد الله؛ ومن خلال هذا التمجيد يمنح صوتا للخلائق التي لا صوتَ لها. هنا تنتُج  كرامة الإنسان وحريّته. وبما أننا نتكلّم، في موضوعنا، عن الحريّة، فهذا المفهوم للإنسان يدخلُ في سرّ الحريّة التي وهبها الله للإنسان، كونه أوّلا: على صورته، وكونه، ثانيًا، كمثاله. والصورة هي صورة: عقل – حب – حريّة. وأمّا المثال، فهو دعوةٌ للإكتمال ومسيرة للأمام. هي النموّ التدريجيّ للإنسانيّة. ماذا يكتملُ فيّ؟! يكتملُ العقل، والحبّ والحريّة، كوني خلاّقا وعلّة ثانية مُعطاة  لي من قِبل الله الخالق.

يتبع

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير