لقد أصبح العالم اليوم قرية صغيرة بفضل وسائل الاتصال الحديثة، حيث نرى العديد من العرقيات واللغات والثقافات والمعتقدات الدينية المختلفة على شاشة التلفزيون، على الأخبار، في الصحف، داخل المجتمع أو حتى خارجه، وهذا التنوع والاختلاف من شأنه أن يجعلك ترى الأشياء من منظار مختلف، حيث لا زال بإمكانك الحفاظ على هويتك الخاصة، ولا زلت تحتفظ بوجهة نظرك الخاصة، لكن المسألة تكمن في قبولك لهذا الاختلاف، وهذا القبول هو جزء من نضوجك العقلي، فحتى التوائم المتطابقة لديهم خبرات وآراء مختلفة.
عندما نتعرف على الآخرين ونحترم أوجه التشابه والاختلاف بيننا، سنكتشف المزيد عن العالم وعن أنفسنا، فقبولنا للآخر يكمن في مدى قدرتنا على التعرف والاستجابة لاحتياجاتهم ومعاناتهم، إنه جزء مهم من البوصلة الداخلية لدينا، إنه الحافز لإحداث الفرق في حياة الآخرين، والذي سيساعدنا في نمونا الروحي، كما سيفتح الباب أمام العديد من الفرص الأخرى بلا شك، سواء كانت صداقات أو آفاق عمل أو إمكانيات سفر أو فهم أوسع للعالم الذي نعيش فيه، وفي نهاية المطاف فإن تقبل هذا الاختلاف هو دليل مؤكد على تقبلك لذاتك.
في المقابل ولسوء الحظ، نرى العديد ممن يضع الحواجز بينه وبين الآخر سواء أكان ذلك على نطاق مكان العمل، حيث نميل جميعاً إلى التجمع في مجموعاتنا الصغيرة دون إعطاء الكثير من التفكير للآخرين، أو حتى على نطاق عالمي ويتضح ذلك غالباً في زيادة الأنشطة الإرهابية وفي الحروب التي نراها حول العالم.
ولكن ماذا عن المدرسة؟ كيف نستطيع تعزيز ثقافة الانفتاح وقبول الآخر داخل الصف وبين الطلبة؟
قال قداسة البابا فرنسيس في كلمة ألقاها يوم الجمعة 5/1/2018 أثناء استقباله لممثلي الجمعيّة الإيطاليّة للمُعلِّمين الكاثوليك “إنَّ المعلِّمين، سواء أكانوا يعملون في المدارس الكاثوليكية أو في المدارس الحكوميّة، مدعوون لكي يحفِّزوا في التلاميذ الانفتاح على الآخر كوجه وشخص وأخ وأخت نتعرف عليه ونحترمه، بتاريخه وحسناته وسيئاته، غناه ومحدوديّته” كما حث في كلمته كلاً من العائلة والمدرسة على التعاون البنّاء في سبيل خير الأطفال والشباب ولتعزيز ثقافة اللقاء.
فالمدرسة اليوم هي بيئة متنوعة حيث العديد من الشخصيات، الاحتياجات، والمصالح وعلينا أن نضع في اعتبارنا أن قبول الآخر بغض النظر عن الاختلاف ليس شيئاً نرغب في الحصول عليه، بل هو شيء نحتاج إلى حضوره في المدرسة، علينا أن نعزز فكره أننا جميعاً مختلفون، وأن من المهم أن نقبل هذه الاختلافات إذا كنا نسعى لتحقيق أي تقدم للطالب سواء أكان أكاديمي أو اجتماعي.
وهنا سنذكر بعض التقنيات التي يمكن أن نعزز ثقافة اللقاء في المدرسة والغرف الصفية من خلالها:
- لا بد أن ندرك مستوى وعي الطالب في هذه المرحلة العمرية، فقد يحدث نوع من التوتر أو حتى الاصطدام بين مجموعة من الطلاب وطالب مختلف عن هذه المجموعة أو من خارجها، كمعلم، عليك ألا تلجأ إلى العقاب عند حدوث ذلك، بل شجع الطلاب على الاستماع إلى آراء الآخرين، لأن معرفة ما يعانيه الآخر أو ما يشعر به ستساعد على فهمه وبالتالي قبوله، في المستقبل قد تنشأ خلافات أخرى لكن التعامل معها سيكون أكثر سهولة فالطالب أصبح الآن أكثر إيجابية وأقل تنمراً.
- اللعب خلال فترات الراحة أو الغداء يمنح الطلاب فرصة الالتقاء بأعضاء جدد في الصف، إقامة صداقات متينة، وتطوير المهارات الاجتماعية الضرورية لفهم الآخرين والتسامح معهم.
- فتح باب النقاش مع الطلاب حول موضوع الاختلاف عن طريق طرح بعض الأسئلة والتي من شأنها أن تحفز تفكيرهم حول هذا الموضوع مثل: هل نحن جميعاً متشابهون؟ ما الذي يجعلنا مختلفين؟ ما الذي يمكن أن يكون عليه العالم إذا كنا جميعاً متشابهين؟
كمعلم دورك يكمن في الإشراف على هذه العملية في مجملها وإظهار العطف والنزاهة والصبر في تعاملك لأن الطالب ينظر إليك كنموذج يحتذى به، ويكفي أن نضع نصب أعيننا أن مدرسة أكثر انفتاحاً وتسامحاً تعني عالماً أكثر إنسانيةً وسلاماً، فدعونا نفتح عقولنا وقلوبنا للأخر، علنا بذلك نفتح باب التفاهم والتعايش بيننا.