الإطار التاريخيّ والجغرافيّ للرواية (البابا بنديكتوس16 – يسوع الناصريّ، “طفولة يسوع”)
قليلةٌ هي الروايات الإنجيليّة الأخرى التي أثارت الخيال، لكن ايضا البحث والتأمل، مثل قصّة المجوس القادمينَ من الشرق، قصة ألحقها في الحال الإنجيليّ متّى، بعد ولادة يسوع: ” لمّا ولد يسوع في بيتَ لحم اليهوديّة، في أيّام هيرودس الملك، إذا مجوسٌ من الشرق قدموا أورشليم قائلين : ” أين المولود، ملكُ اليهود؟ فإنّـــأ رأينا نجمه في المشرق فوافينا لنسجدَ له ” (متى 2 : 1). نجدُ هنا، في أول الامر، تحديدًا واضحًا لإطار تاريخيّ مع الإشارة إلى الملك هيرودس ومكان الولادة، بيت لحم. يُشار إلى شخص تاريخيّ ومكان جغرافي محدّد. لكن، في الوقت نفسه، في هذين المرجعين، تُقدّم لنا أيضا عناصرُ تفسير (يقول بنديكتوس). فرودولف بيش، في مؤلّفه الصغير ” روايات الميلاد في إنجيل متّى”، أشارَ بقوّة إلى المعنى اللاهوتيّ الذي تـــــحويه صورة هيرودس : ” كما أنّه في إنجيل الميلاد (لوقا 2 : 1 – 21)، يؤتي على ذكر الإمبراطور الرومانيّ أوغسطس، كذلك أيضا تبدأ رواية متى 2 بالإسلوب نفسه ، بذكر” ملك اليهود “، هيرودس. إذا كان الإمبراطور هناك، بادّعائه إحلال السلام في العالم، كان على طرفي نقيــــــض من الطـــــــفل الذي وُلـــــد، فهنا، الملك هو على هذه الحال، هو الذي يحكم بفضل الإمبراطور – ويفعل ذلك بادّعاء ٍ شبهَ مسيحانيّ، بأنّه على الأقلّ للمملكة اليهوديّة، هو المخلًّص.
بيت لحم هي مكان ولادة الملك داود. في سياق الرواية، يسلط الضوء على المعنى اللاهوتيّ مباشرة أكثر، من خلال الجواب الذي أعطاه الكَتبة عن سؤال هيرودس بالنسبة إلى المكان الذي سوف يولدُ فيه المسيح. الواقع أنه، بإضافة اليهوديّة، يحدّد بدقّة أكبر موقعُ بيتَ لحم الجغرافيّ، قد يحمل أيضا في ذاته معنىً لاهوتيا. في بركة يعقوب، يقولُ أبو الآباء لابنه يهوذا بطريقة ٍ نبويّة: ” لا يزولُ صولجانٌ من يهوذا، ولا مشترعٌ من صُلبِه حتى يأتي صاحبها وتطيعه الشعوب” (تك 49 : 10). في رواية ٍ تتحدّث عن وصول الــــ ” داود ” النهائيّ، وصول المولود الجديد ملك اليهود الذي سوفَ يخلّص كلّ الشعوب، يجبُ، نوعًا ما، أن يُنظَر إلى هذه النبؤة في بُعدها العميق.
مع بركة يعقوب، يجب أيضا أن يُقرأ قول يُنسَب في الكتاب المقدس إلى النبيّ الوثنيّ بلعام؟ بلعامٌ وجهٌ تاريخيّ يُثبت وجودَه تأكيد من خارج الكتاب المقدّس. ففي سنة 1967، في شرق الأردن، تمّ اكتشافُ نقش ٍ يظهرُ فيه بلعامٌ ابنُ بَعور (Beor)، كـ ” عـــــرّاف ” لإله محليّ – عرّاف يُنسَب إليه أنباءٌ عن الحظّ وسوء الحظّ. يقدّمه الكتاب المقدّس كعرّاف في خدمة ملك موآب الذي طلبَ منه لعنة ضدّ إسرائيل.
هذا العمل، الذي كان بلعام ينوي تنفيذه، قد منعه الله نفسه، بحيث بدل اللعنة أعلنَ النبيّ بركة لإسرائيل. على الرغم من ذلك، فقد حطّ التقليد البيبليّ من قدره معتبرًا إيّاه داعية ً للوثـــنيّة، ومات ميتة تُعتَبر عقوبة (عد 31 : 8 ، يش 13 : 22). إنّ وعد الخلاص المنسوب إليه، هو الغير اليهوديّ وفي خدمة آلهة آخرين، يبقى إذا أكثر أهميّة، وعدًا كان بكلّ تأكيد معروفــــًا خارج إسرائيل. ” إني أراه – وليس حاضرًا الآن، إني أبصره – لكن ليس بقريبْ: يسعى كوكبٌ من يعقوبَ ويصبح رئيسًا، ويقومُ صولجانٌ، متحدّرا من إسرائيل …. ” (عد 24 : 17).
بطريقة ٍ مألوفة، لم يذكر متى الإنجيليّ، الذي يحبّ أن يقدم أحداثا في حياة يسوع وعمله بأنها تحقيق لأقوال العهد القديم، هذ النصّ الذي له دورٌ مهمّ في تاريخ تفسير النصّ المتعلّق بمجوس الشرق. بالطبع، النجمُ الذي يتكلّم عنه بلعام ليس كوكبًا؛ الملك نفسُه الذي يأتي هو النجمُ الذي يشعّ على العالم ويحدّد وجهته. مع ذلك، إنّ الرابط بين النجم والملكيّة قد يكون أثار فكرة النجم، الذي هو نجم هذا الملك ويشيرُ إليه.