السّنبلة الملآنة تحني رأسها، والشّجر الحامل، غصنه منحنٍ، والفارغ مرتفع.
المتكبّر مملوء من ذاته… الكبرياء كنقطة سمّ نضعها في قدح مشروبٍ جيّد….
الطّوباويّ أبونا يعقوب الكبّوشيّ
طوبى لنا… لأنّ الله وهبنا الحياة هديّة سماويّة… طوبى لنا… لأنّه ملأ قلوبنا من فيض حبّه، وغرسنا في أرض كرمه وجوده، وشرّع أمامنا ضياء أنواره …ألبسنا خوذة الخلاص، وسار بنا نحو برّ الأمان …نحو ميناء القداسة….
يعتبر أبونا يعقوب أنّ من يفتّش عن ذاته لا ينجح. وحدهم المتواضعون ينجحون. ويضيف أنّ لا بدّ لنا من الأعمال الصّالحة حتّى ندخل الملكوت، لكنّ هذه الأعمال تفسدها الكبرياء، ويفسدها طلب المديح… لذلك نراه يحذّر قائلًا:” لا تكن اسفنجة للمديح، وقنفذة للاحتقار… الحيّة تحتمل كلّ الجراحات، شرط أن تصون رأسها. هكذا المتكبّر…”
السّعادة ليست بالرّفعة ولا بالمناصب العالية ، بل بالابتعاد عن كلّ شرّ وتملّك كلّ خير…
وهذا ما عبّر عنه القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم قائلًا: “لا يجدينا الكبر شيئًا بل يسلبنا ما لدينا، أمّا التّواضع فيزيدنا نعمةً وخيرًا، إن التّواضع باب الملكوت السّماويّ” كما أكّد على ذلك الكتاب المقدّس: من رفع نفسه وُضع، ومن وضع نفسه رُفع” (لو14-11)
ولكنّنا تائهون… لا نسلك إلّا الطّرقات المظلمة… نتباهى بمراتبنا، ونختال مزهوّين بغرورنا… ننظر إلى مناصبنا، بنظرات الإعجاب… نرفع أنوفنا إلى الأعلى … نعيش الكبرياء …نظنّ أنفسنا سلاطين، نتزيّا بالأثواب القرمزيّة الفاخرة، وننسى أننا لبسنا المسيح في سرّ العماد…… نناضل في حياتنا لنعدّ كمًّا هائلًا من المال، وننسى أنّ رصيدنا الأوفر هو في رحاب السّماء. نسعى، ماسحين عرق الجهاد عن جباهنا، إلى بناء القصور … وننسى أنّنا هياكل الرّوح القدس… ونتناسى أنّ الله يبحث دائمًا عن نفس المتواضع ليبيت فيها … لقد اختار الرّبّ أن يولد في أكثر الأماكن بؤسًا وفقرًا….
ينخر سوس الكبرياء بناءنا المتماسك … نتباهى بمواهب أعطانا إيّاها الله …ونظنّ أنّنا بلغنا الكمال، لدى سماع تصفيق المحيطين بنا…. وحده الرّب يصنع بنا العظائم…. “تعظمّ نفسي الرّبّ وتبتهج روحي لأنّه نظر إلى أمته الوضيعة، سوف تهنّئني الأجيال، لأنّ القدير صنع إليّ أمورًا عظيمة… (لوقا 1- 46 ) وهذا ما عبّر عنه أبونا يعقوب قائلًا ” الاعتبار المرتّب هو أن ننسب للّه كلّ ما فينا”
ليتنا نعي أهميّة ما أعطانا إيّاه الرّبّ…. ليتنا نشكره مع كلّ زفرةٍ نطلقها…..
ليتنا نسعى إلى تزيين تلك الأنا بسحر الإيمان، والتّواضع، والمحبّة….