قبل أن نبدأ بدراسة بسيطة حول تجارب يسوع في البريّة، أردنا أن نضع أمامَكم بعض المعلومات ومسارات ٍ للقراءة.
1 – الأمكنة / هناكَ ثلاثـــة أمكنة نموذجيّة للقاء مع الله. بريّة سيناء، هي بالنسبة لإسرائيل، بمثابة ولادته كشعب للعهد. هيكل أورشليم، وقد اختاره الله بمثابة علامة لحضوره في ما بين ذويه؛ أمّا الجبل، فهو المكانُ الرمزيّ حيث ” ينزل ” الله ليُظهِر ذاته للبشر.
2 – فعل ” جرّب” يعني ” امتحن ” :ويسوعُ قد أمتُحِن على مثال إبراهيم (تك 22)، وعلى مثال الشعب الإسرائيليّ الذي كان عليه أن يواجه صعوبات في البرية (خر 15 : 25)؛ وراويةُ التجارب هي بمثابة صورة لكلّ الظروف التي ستُمتَحَنُ فيها أمانةُ يسوع لرسالته، حتى الصليب: ” فلينقذه الله الآن، إن كان راضيًا عنه، فقد قال : ” أنا ابن الله “.
3 – الشيطان، هذه الكلمة العبريّة التي تعني ” العدوّ، المتّهم ” قد أصبحت اسم علم لروح الشرّ الذي يفسِد علاقة البشر مع الله ( أي 1 : 6). ولقد ترجمت كلمة شيطان إلى اليونانيّة بكلمة ” DIABOLOS” ، بمعنى ” زارع الإنقسام “. وتوبيخ يسوع للشيطان سيكونُ عين التوبيخ الموجّه لبطرس الذي أراد أن يثني يسوع عن الآلام.
4- ” مكتوبٌ “، إجابات يسوع الثلاث للشيطان، هي مراجعٌ من سفر تثنية الإشتراع 8 : 3 ؛ 6 : 16 ؛6 : 13. وهذا السفر الذي يحتوي على خطابات ٍ منسوبة إلى موسى، إنّما هو تأمل بخبرة إسرائيل في البريّة إبّان الخروج. كما نجد الشيطان يستشهدُ بالمزمور 91.
مساراتٌ للقراءة
1 – كيف يمكن أن يُجرّب يسوع؟ وما اقترحه الشيطان على يسوع، لم يكن سوى ما وُعِدَ به المسيح، ابن الله، ” سلني فأعطيك الأمم ميراثا، وأقاصي الأرض ملكا” (مز 2)، وتلك هي التجربة الثالثة. وهوذا الشيطانُ يستشهدُ بالمزمور : ” لأنه أوصى ملائكته بك، على ايديهم يحملونك لئلّا تصدمَ بحجر ٍ رجلك” (مز 91 : 11 – 12) ، وتلك هي التجربة الثانية. أمّا أن يجوع المرء في أعقاب أربعين يومًا من الصوم (التجربة الآولى)، فذلك أمرٌ طبيعيّ جدّا، وسيكثر يسوع نفسه الخبزات ليطعمَ جمعًا جائعًا (متى 14 : 16 – 21). فالتجربةُ لا تكمنُ في جوعنا وعطشنا على اختلاف أشكالهما- وتلك من الظواهر البشريّة- ، وإنّما تكمنُ في البحث عن وسائل أخرى، دون الإكتفاء بإرادة الآب.
2- اربعونَ يومًا وأربعون ليلة: تذكر هذه العبارة بالإختبار الأساس لموسى على جبل العهد ( خروج 24)، وكذلك بمسيرة ايليا نحو حوريب ( 1 مل 19 : 8)، ولكنها بالأخصّ بالأربعين سنة من الخروج في البريّة. ( عد 14 : 34). هكذا عرفَ الشعبُ الإسرائيليّ هذه التجارب الثلاث / تجربة الجوع ( المنّ: خروج 16)، تجربة مطالبة الله بالخوارق (معجزة الماء: خروج 17)، تجربة عبادة الأصنام ( عجل الذهب: خروج 32). سنرى تباعًا موضوع كلّ تجربة ونشرحه.
3- ماذا يعني كونه ابن الله؟ ” إن كُنت ابن الله! قالها الشيطانُ، وكان على حقّ، وكلاهما يعرفان ذلك. إلاّ أنّ السؤال هو : كيف يتصرّف ابن الله؟ كان ادم يطالبُ، في فردوس عدن، أن يصبح إلهًا؛ وكان اسرائيل في برية الخروج يتذمر دون إنقطاع ٍ ويشكك في إلهه، حتى إنّ موسى قرعه على كونه ” يجرّب ” الله. أمّا يسوع، آدم الجديد، اسرائيل الجديد، فقط كان له قلب ابن واثق بأبيه : إنه يعلمُ أنّ الله سيغمره فوق كلّ إنتظار، وكلّ منطق ٍ بشريّ. ذلك أنّ الثقة الحقيقيّة بالله، لا تفرض أيّة شروط ٍ؛ فالإبن لم يطالب لنفسه أن يكون مساويا لله ( فيلبي 2): هنا يكـــــــــمنُ معنى كــــونه ابنـــــا: وهنا قد أعطي له ما لم يطالب به: هوّذا يسوع يعامَل بصفة ملك، يتلقّى طعامه من مرسلي الله : ” إذا بملائكة قد دنوا منه وأخذوا يخدمونه”.
يتبعْ