Glasses over the Bible

Pixabay CC0

ماذا قال المؤرّخون ودارسو العصر الوسيط عن التجارب

الحلقة الثالثة

Share this Entry

يقولُ كتابُ التعليم المسيحيّ الكاثوليكيّ: ” أن الأناجيل تتحدّث عن زمن عزلةٍ ليسوع في البريّة حالا بعد المعموديّة التي نالها من يوحنّا. ” دفعه الروح الى البريّة” (مرقس 1 : 22)، فـأقامَ يسوعُ فيها أربعينَ يومًا بغير طعام، عاشَ مع الوحوش وكانت الملائكة تخدمه. في آخر هذا الزمن جرّبه الشيطان على دفعات ٍ محاولا أن يختبرَ موقفه البنويّ تُجاه الله. فيردّ يسوعُ على هذه الحملات التي تُخلّص تجارب آدم في الفردوس وإسرائيل في الصحراء، وينصرف عنه إبليس ” إلى الوقت المُعيّن ” (لوقا 4 : 13). (الفقرة 538)

يقول الكاتب أديب مصلح:” ليس ما جاء في الإنجيل عن تجربة يسوع قصّة تعليميّة تستهدفُ دعمَ جهودنــــــا في مصارعة قوى الشرّ. فالروح هو الذي اقتاد يسوع إلى البريّة كي يُجرّب، إذ إنّ ابن الله، بتجسّده، أضحى إنسانا كاملا مـــُعرّضا، نظيرَ سائر البشر، للتجربة، ولا سيّما في أكثر ما يُجرّب به البشر: الكَلَف بالظهور والتباهي، والجوع إلى كلّ مثير ٍ، والطموح إلى السيطرة والإخضاع، والرغبـــــة في المكـــسب والإمتلاك” ( من كتابه يسوع في إنجيله ص84). ويقولُ أيضا: ” الصحراء هي المجالات الصوفيّة حيث يطوفُ الحيّ الأعظم، فيُشعرنا، في أعماق كياننا، بما يتخطّى ذواتنا. إنها الفراغ اللامتناهي الذي يمسي إمتلاءً، والصمتُ الجمّ الذي ينقلبُ وحيــــــــًا”. (ص 85).

” ….. وتوخّى إبليس، أيضا، إقنـــاع يسوع بأن يكون المسيح، على نحو ما تصوّره وتوقّعه اليهود، فحاول جرّه إلى بسط ِ سيطرته على جميع ممالك العالم، وإمتلاك كلّ ثروات الكون، وإلى إستخدام قدراته الخارقة لفرض الهيبة، والتبجيل، والخضوع، لعلّه، بذلك، يحمله على خيانة الرسالة التي تأنّس في سبيلها. ولكنّ يسوع أطاحَ بكلّ تلك المحاولات، كي يأتي العالم بحبّه لهم النابعَ من حبّه للآب … ” (نفس المصدر ض 85).

فيلون الإسكندريّ وفلافيوس يوسيفوس

إنّ أكثرَ كتابات فيلون الإسكندريّ، في النصف الأوّل من القرن الأول، والكتب 1  – 4 من العاديّات اليهوديّة لفيلافيوس يوسيفوس في نهاية القرن نفسه، هي شروحات أو إعادة قراءة الأسفار الخمسة موجّهة إلى القرّاء اليهود الناطقين باللغة اليونانيّة، وحتى، في نظر يوسيفس، إلى غير اليهود. في هاتين المجموعتين المنطقيّتين، يُلاحَظ أوّلا غياب الكلمتين Ekpeirasmos و Peirasmos ” تجربة “. في أعمال فيلون، لا نجدُ إلا خمسة إستعمالات للفعل Peirazo و Ekpeiazo ” جرّب”، منها اثنان ليس لهما أيّ معنى لاهوتيّ، والثلاثة الأخرى هي شواهد من تك 22 : 1، وخر 15 : 25، وتث 8 : 2 . ياخذ فيلون بالمعطيات التقليديّة التي تتعلّق بالتجارب الآتية من إله ابراهيم وإسرائيل (مياه ماره، المسير في الصحراء) بدون أيّ إسهاب ٍ. ففي كتابه ” في إبراهيم “، يفتتحُ رواية ذبيحة إسحق بدون أن يذكر أيّ إمتحان: ” وفجأة، بوحي ٍ لم يتوقّعه إبراهيم قطّ، يلهمه بأن يقدّم ابنه محرقة على قمّة هضبة عالية”. يمكننا أن نستنتجَ أن مفردات التجربة – لشعب الله، من قبل إبليس، أو تجريب الشعب لله – لا تناسب المفسّر الإسكندريّ للكتاب المقدّس.

هل يذكر يوسيفوس – وبأيّ عبارات يذكر – الأحداثَ الكتابيّة التي يجدها في النصّ العبريّ والسبعينيّة؟ فهو يستعملُ لذبيحة اسحق الشائع الرائج في اللغة اليونانيّة الكلاسيـــكيّة.

فيلافيوس يوسيفوس، العاديّات اليهودية 1 : 223 – 224

” جعل إبراهيم سعادته كلّها في أن يتمكّن من ترك ابن ٍ في وضع ميسور ٍ عند مغادرته هذه الحياة. لكنّ هذا ما حدث له بإرادة الله : أراد الله أن يمتحنَ تقواه تجاهه، فظهر له، وعدّد كلّ الإحسانات التي جاد بها عليه: كيف جعله أقوى من أعدائه، وكيف تحنّن عليه ليعيش في سعادته الحاضرة، بمولد ابنه اسحق، وطلبَ منه أن يقدّمه إليه بيده، ذبيحة ً وضحيّة”.

في ما يخصّ مياه ماره (خروج15 : 25)، تمّ حذف ذكر تجربة الله، وكعادة يوسيفوس، تم إفراغ المظهر العجائبيّ (عاديّات 3 : 3 – 4). ولا يوجد تواز ٍ مع خروج 20 : 20 في عاديّات 3 : 38 الذي يتكلّم على تجريب ِ الشعب لله في مسّة ومريبة، ولا نجدُ شيئا مشابهًا خر 17 : 27؛ وليس هناك ما يكافئ عد 14 : 22 – 23. وفي المقابل، في رواية المن، ينسب يوسيفوس إلى موسى خطابا طويلا يصرّح فيه بأنه ” إذا كان الله يمتحنهم الآن بهذه العذابات، فلكي يتحقّق من صلاحهم وحال ثباتهم وتذكّرهم الاحسانات التي منحهم إيّاه ” (عاديّات 3 : 15). العبارةُ المستعملة هنا تعني ” يفحص، يتحقّق من قدرة الشخص” وهي تحملُ بالتأكيد معنىً إيجابيّا للقارئ غير اليهودي.

في العصر الوسيط، تشدد الدراسات كافّة على البعد التعليميّ في روايات تجارب يسوع. ففي الواقع، ترى دراساتُ العصر الوسيط للكتاب المقدّس، أنّ نصوص الكتاب هي مقاطع من الكلمة الإلهيّة الموجهة إلى الإنسان لترشده في أفكاره وحياته، أكثر منها نصوصٌ تاريخيّة. بيد أنّ دارسي الكتاب المقدّس لم يكتفوا بالتأوين الأخلاقيّ، بل عكفوا على معالجة كلّ صعوبات النصّ، وتوصّلوا إلى توازن ٍ بين المفهوم الإيمانيّ والمفهوم العلميّ. سنرى بعضًا من دراسي التجارب في العصر الوسيط لضيق وقتنا:

كريتيان دو ستافلو ، شرح متّى 4 : 1

ثمّ سارَ الروح بيسوع إلى البريّة “( متى 4 : 1). عندما يقول ” ثمّ “، وهو ظرف، زمان، فإنه يعود إلى ما ذُكر سابقا : في ذلك الوقت، ظهرَ يسوع وقد أتى من الجليل إلى الأردن، لأنه في الفترة نفسها، بعد المعموديّة، خرجَ إلى البريّة وصام. إنه يعطينا بذلك مثالا، لكي نهرب من الأبّهة في هذا العالم بعد اعتمادنا؛ فقد تعهّدنا عبرَ المعموديّة هذه بأن نتخلّى عن الشيطان وعن إغراءاته”.

البير الكبير، شرح لوقا 4

النصر موصوفٌ في ثلاث معارك: شهوة الطعام، وشهوة التملّك، والمجد الباطل. وقد تمّ تعدادها هنا بحسب ترتيب القصّة. بيد أنّ التجربة الوسطى عند متى موضوعة في المرحلة الثالثة والعكس بالعكس. إنّ متى يتّبع ترتيبَ تجارب آدم الذي جُرّب أوّلا بشهوة الطعام، ثمّ بالمجد الباطل، وبعدها بشهوة التملّك، كما يظهرُ في تسلسل هذه الكلمات: ” في يوم تأكلان منها تنفتح أعينكما”، (شهوة الطعام)، ” وتصيران آلهة” (تك 3 : 5)، (المجد الباطل)، ستعرفان الخير والشرّ، (شهوة التملّك التي لا تتعلّق بالمال وحده بل أيضا بالمعرفة) – لأننا إذا أخذنا الكلمة بمعناها الواسع، فإننا نطلق صفة (الجشع) على كلّ شهوة مفرطة وغير شريفة في التملّك. أما لوقا فيتبع تسلسل الأحداث حيث تتوالى التجارب التي حدثت في البريّة، ثم التي حدثت في الهيكل.

بيير لو مانجور ، تاريخ الدارسين، في الأناجيل

” لقد ارتبك الشيطان بسبب الصوم أربعين  يوما. فقد كان يعلم أنّ مياه الطوفان انهمرت طوال المدّة نفسها، وأن أرض الميعاد قد استُكشِفَت، وأنّ شريعة الله بوساطة موسى قد أعطِيَت، وأن بني إسرائيل عاشوا من خبز الملائكة في البريّة طوال فترة السنين هذه”.

باشاس دابرت، شرح متى 4

هو راهبٌ بندكتيّ من العصر الكارولانجيّ، تتميّز شروحاته، خصوصًا شرحه في متى، بالكثير من الغنى.

” بما أنّ الحيّة هزمت آدم في الفردوس حيث تفيض الملذّات إذ استسلمَ للشهوة، على جنود المسيح ورؤسائهم أن يتعلّموا لجمَ شهوات الجسد بوساطة الزهد. وكما أنّ اللذّات تقودُ إلى المبـــــالغة، كذلك فإنّ البريّة القاحلة والقاسية تجعلُ النفسَ تميلُ إلى الزهد . لقد كان ملائمًا للروح القدس  الذي سكنَ في يسوع بالمعموديّة، أن يدفع بالرجل الذي صنعه من عذراء لكي يُجرّب، هو الذي وُلِدَ ثانية ً من النبع، حتى يتعلّم من ذلك كلّ الذين يولدون ثانية بالمعموديّة، أنه يتوجّب عليهم أن يشنّوا المعركة مباشرة ً عن طريق الزهد، لانّ الذي يريد الإقناع مستعملا كلّ مكائده سيتعرّضهم مباشرة. لذلك كان ملائمـــــــــــا للروح القدس أن يحثّ يسوع – الذي كان يسكن فيه بكلّ ملئه – على خوض المعركة، كملك ٍ يذهبُ لمحاربة العدوّ. وبما أنّ هذا العدوّ قد هزم آدمَ الأوّل في الفردوس، قامَ بعد ذلك آدم الثاني بطرحه أرضـــــــــــــــــا”.

يتبع

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير