كانت علاقة جبران خليل جبران بيسوع مميّزة، إذ يمكن أن نقرأ له العديد من المقاطع التي خصّصها له في مؤلّفاته، بدون أن ننسى كتاب “يسوع ابن الإنسان”. أمّا في “العواصف” الذي نُشر عام 1920، فيمكننا أن نقرأ ما قيل إنّه من أجمل ما كتب جبران عن يسوع!
تحت عنوان “يسوع المصلوب”، كتب جبران في يوم الجمعة العظيمة: “اليوم وفي مثل هذا اليوم من كلّ سنة، تستيقظ الإنسانية من رقادها العميق وتقف أمام أشباح الأجيال ناظرة بعيون مغلّفة بالدموع نحو جبل الجلجلة لترى يسوع الناصري معلّقاً على خشبة الصليب…
اليوم تقود الذكرى أرواح المسيحيّين من جميع أقطار العالم إلى جوار أورشليم فيقفون هناك صفوفاً صفوفاً قارعين صدورهم، محدّقين إلى شبح مكلّل بالأشواك، باسطٍ ذراعيه أمام اللانهاية، ناظر من وراء حجاب الموت الى أعماق الحياة…
ولكن لا تُسدل ستائر الليل على مسارح هذا النهار حتّى يعود المسيحيّون فيضطجعوا جماعات جماعات في ظلال النسيان بين لحف الجهالة والخمول.
وفي مثل هذا اليوم من كلّ سنة، يترك الفلاسفة كهوفهم المظلمة، والمفكّرون صوامعهم الباردة، والشعراء أوديتهم الخياليّة، ويقفون جميعهم على جبل عال صامتين متهيّبين مُصغين إلى صوت فتى يقول لقاتليه: “يا أبتاه، اغفر لهم لأنّهم لا يدرون ما يفعلون”…
ولكن لا تكتنف السكينة أصوات النور حتّى يعود الفلاسفة والمفكّرون والشعراء فيكفنوا أرواحهم بصفحات الكتب البالية…
وأنت أيها الجبّار المصلوب، الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال، السامع ضجيج الأمم، الفاهم أحلام الأبدية…
أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابةً من ألف ملك على ألف عرش في ألف مملكة…
بل أنت بين النزع والموت أشدّ هولاً وبطشاً من ألف قائدٍ في ألف جيش في ألف معركة.
أنت بكآبتك أشدّ فرحاً من الربيع بأزهاره…
أنت بأوجاعك أهدأ بالاً من الملائكة بسمائها…
وأنت بين الجلّادين أكثر حرية من نور الشمس…
إنّ إكليل الشوك على رأسك هو أَجَلّ وأجمل من تاج بهرام…
والمسمار في كفّك أسمى وأفخم من صولجان المشتري…
وقطرات الدماء على قدميك أسنى لمعاناً من قلائد عشتروت…
فسامح هؤلاء الضعفاء الذين ينوحون عليك لأنهم لا يدرون كيف ينوحون على نفوسهم، واغفر لهم لأنهم لا يعلمون أنك صرعت الموت بالموت ووهبت الحياة لمن في القبور”!
جبران خليل جبران – العواصف