كم يحلو لبعض منّا وضع الطاعة نقيض الحرية!
غير أنه في الطاعة للخير حكمة تنبع من الحب والثقة، وليست نتيجة خضوعٍ لقوة تطيح بالحرية. وفي ربوع الطاعة الحقيقية، نحن مدعوّون إلى تخطّي قانون العالم الذي يقول: “إذا كنت تخشاني أطِع وصاياي”، لنصل إلى المنطق الإلهي الذي يهمس: “إذا كنت تحبّني تحفظ وصاياي” !
فالطاعة ليست مجرّد فعل تنفيذ للأوامر التي تُعطى من قبل رقيب أو مسؤول، إنما هي فعل محبة وثقة لمن وبِمن يعطي هذه التوصيات.
في مقابل عالم يسخر من “المُطيع” ويتّهمه في العيش داخل “الصندوق”، بمعنى أنّ ذاك الذي يطيع لا يستطيع أن يحمل تفكيراً متحرراً في مجمل المواضيع: يأتي الرب مثالاً للطاعة حتى الموت… موت الصليب!!
“الصندقة”…. هنا باتت عالماً واسع الفضاء مليئاً بالإيمان وبالمحبة والخير حتى يفنى الفناء!!
في هذا النوع من “الصندقة” لا تتعارض حقوق الحرية مع واجبات الطاعة، بل تتناغم في أمن وأمان، وتعطي الحماية في حدود “العزل” لا “الإنعزال”.
“الصندقة”… تتحدث عنها نسب زكريا بشكل رائع. من جملة ما تقول :”نحن، لا يمكننا العيش دون حدود، دون صناديق، وليس ذلك عيباً ولا مهانة….
لا ضير في الصناديق… لكن افتح نوافذ في صندوقك، مهما كان واسعاً. النوافذ لم تكن يوماً، معمارياً وفلسفياً، للتهوئة والإنارة فقط، بل هي وسيلة تواصل واتصال مع كلّ ما يتعدى حدود صندوقك الخاص، مع عالم خارجي مليء بالصناديق…”
اليوم، فيما نشتكي وعلى غياب الطاعة نبكي… لمحبّي الآفاق المفتوحة: الحرية كمسؤولية نزكي!!
فالعيش دون “قوانين” هو وهم….. صندوق آخر وله حجم: وحجمه صغير بضيق أنانياتنا!!
اليوم، فلننهج الطاعة نوعاً جميلاً من “الصندقة”…. فيها المحبة تفتح الآفاق، تؤمّن على الحقيقة، لا تخسر الحماية وتهبنا سرّ فنّ القيادة!!