Jesus Christ - Arcaion - Pixabay - CC0

يسوع مخلّص البشرية الوحيد والنهائيّ

يسوع الحيّ – الجزء 1

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

إنطلاقاً من القيامة، أظهرت الكنيسة جليّاً إيمانها بيسوع المسيح الحيّ القائم من بين الأموات. ويُــــــطرَح أحيانا السؤال التالي: هل مسيحُ كرازة الكنيسة، والليتورجيّا، والتقوى الشعبيّة، وإيماننا الشخصي، والعقائد، واللاهوت، والتعليم الدينيّ، والأعمال الراعويّة ، هو “يسوع التاريخيّ”  نفسه، الذي تسلّمناه، والذي ترويه لنا المصادر الكتابيّة؟ أو إنّ المسيح الذي يُبشّر به المسيحيون اليوم هو توسيعٌ وتطويرٌ مجانيّ ليسوع الكتابيّ؟ وخلاصة القول، هل مسيحُ إيماننا يختلف عن يسوع التاريخيّ الحقيقيّ؟ وهل يختلفُ مسيح جماعة المؤمنين عن المسيح الكتابيّ؟…

لو كان الأمرُ كذلك، لانقطعت الصلة الشخصيّة بين يسوع التاريخيّ الأًصيل والمزيّف مسيح الإيمان؛ وتبقى المسألة التي بحاجةٍ إلى حلّ هي الفهم والإستيعاب الروحيّ والجماعيّ ليسوع المسيح خلال الألفي سنة وأكثر الماضية من حياة الكنيسة.

لهذه المسألة تاريخها المعلوم، الذي بدأ في نهاية القرن الثامن عشر في أوروبّا في أوج حماس تيــــّار “التنوير”، حيث نفى بعض الباحثين “مسيح العقيدة المسيحيّة” على أنه تركيبٌ مجانيّ من الكنيسة. إنطلاقاً من الإفتراض أنّ إيمان الكنيسة بالمسيح لا يمكن الإعتماد عليه، أخذوا يبحثونَ عن وجه يسوع التاريخيّ الأصيل، فألّفوا  بدقـــّة “سيرًا” عقلانيــة، وخياليّة، وأسطوريّة، وقصصيّة لمؤسِّس المسيحيّة. ولمّا كان الفكرُ عاجزًا عن إعطاء “شروح مقنعة”، كانت تحلّ محلّها الإجتهادات الخياليّة، أو التفسير الأسطوريّ، أو النفحة الرومانسيّة. وفيما بعد، غرقت الأبحاثُ بالشكوكية، أي بالشكّ المطلق، نعني بهذا: نفيَ وجود يسوع نفسه. (وهذا طبعاً، لا يمكن للعقل أن يقبله! بشهادة التاريخ والمؤرّخين المعاصرين). وبعدما نُفي مسيح الإيمان وعقيدة جماعة المؤمنين، حصلَ نفيُ حقيقة يسوع التاريخيّة.

ردة الفعل على هذا الإتجاه كانت واضحة، فأدّت إلى أقصى نقيضه، إذ تخلّى أولئك عن يسوع التاريخيّ، واعتبروا التعرّف عليه صعب المنال؛ فأخذوا يركّزون على مسيح التبشير، أي الكرازة الرسوليّة. فبات شعارهم قولُ القديس بولس في رسالته الثانية إلى أهل كورنتوس 5 : 16: “فنحنُ لا نعرف أحداً بعد اليوم معرفة بشريّة. فإذا كنّا قد عرفنا المسيح يومًا معرفةً بشريّة، فلسنا نعرفه الآن هذه المعرفة”. وكأنّ المسيحيّة لم تبدأ بتاريخ يسوع، بل بتبشير التلاميذ بعد قيامته.

نقولُ إذن: إنّ أبرزَ الأحداث التي تشكّل ما يسمّى “بمسيح الإيمان” – أي المسيح الذي بشّر به الرسل بعد الفصح – هي أحداثٌ تخصّ “يسوع التاريخيّ” وتعودُ إليه: البشارة بالملكوت، العجائب، وَعيُه البنويّ والمسيحانيّ، لقبه “ابن الإنسان”، “الإبن”، عبارة “أنا هو”، موته على الصليب، وقيامته. حتى الرسول بولس نفسه، ليُثبّت تعاليــــــمه، يعودُ إلى يسوع ما قبل الفصح، متحقّقاً من هويّته بلا التباسٍ، على كونه شخص الربّ القائم من الموت (1 كور 7 : 10 ، 9 : 14). ولمّا جاء الرسول على ذكر تأسيس سرّ القربان، قال: “فإني تسلّمت من الربّ ما سلّمته إليكم، وهو أنّ الربّ يسوع في الليلة التي أسلمَ فيها أخذ خبزاً وشكرَ، ثمّ كسرَ وقال: هذا هو جسدي….” (1 كور 11 : 23 – 24).

هكذا، يمكن الجزم بأنّ الإستمراريّة هي نفسها بين مسيح الإيمان (التاريخيّ) وبين مسيح العقيدة اليوم. ويشهدُ قانون الإيمان النيقاويّ – القسطنطينيّ أيضاً على ثبات تلك الإستمراريّة الخارقة حتى يومنا الحاضر.

إذن، إنّ مسيح إيمان الكنيسة هو يسوع التاريخيّ بكامل البُعد الخلاصيّ لحدث تجسّده، وموته، وقيامته. وإنّ هناك إستمراريّة ذاتيّة بين يسوع الذي تسلّمناه من العهد الجديد، والمسيح الذي بشّرت به الكنيسة خلال الألفي سنة الماضية. وبالتالي، لم يكن هذا الأخير مسيحــــاً مزيّفاً، ومشوّهاً، بل مسيحـاً أصيلاً، اختبره تلاميذه ففهموه، ثم عبّروا عنه على ضوء مفاهيم ثقافيّة متنوّعة في الزمان والمكان.

هناك مسألة صعبة طُرحت من خلال ما يسمّى “البحث التاريخيّ الحديث عن يسوع”. ففي نظر بعض الذين قاموا بهذا البحث، يبدو أنّ اعترافَ الكتاب المقدّس والكنيسة بأنّ يسوع هو المسيح ربّنا هو تصوّر جاءَ لاحقاً وتجاوَز الصورة الأصليّة “التاريخيّة” ليسوع الناصريّ، لذلك راحوا يعملونَ على تحرير صورة يسوع المرسومة في الإعتراف الكنسيّ من “قيود العقيدة” للوصول من جديد إلى “يسوع كما في التاريخ من دون أيّ إضافةٍ عليه”. ولكنّ ما تمّ التوصّل إليه هو “صورة صاحبه”. فجاءت صورةُ يسوع مطابقة تمام المطابقة لتطلّعات أهل الزمن الحديث: يسوع الماسيّا السياسيّ، أو الواعظ الأخلاقيّ، أو رسول الحياة الباطنة، أو صديق الفقراء، أو الهيبيّ أو النجم المتفوّق. أمّا صورة يسوع اللاحقة فاعتُبرت إمّا خدعة مقصودة من قبل تلاميذه (ريماروس)، وإمّا أسطورة غير مقصودة وخرافة ( د. ف. شتراوس)، وإمّا انبثقت، كما يحدث في تاريخ الأديان، من تديّن العهد القديم اليهوديّ، أو من البيئة الهلينيّة المعاصرة، أو من المحيط الإجتماعي السائد آنذاك. هكذا نشأت بين “يسوع كما عاش في التاريخ” و”مسيح الإيمان”، هوّة يبدو تجاوزها مستحيلاً.

يتبع…

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير