بالنسبة إلى العديد منا، إنّ العثور على السعادة يكاد يكون هاجسًا، بحيث نستهلك في سعينا إلى السعادة المزيد والمزيد من وقتنا وطاقتنا، ولكن ماذا يعني ذلك، وماذا يمكننا أن نفعل لنكون أكثر سعادة؟ لحسن الحظ، أصبح لدى علماء النفس وغيرهم من الخبراء الآن أدلة واستراتيجيات تساعدنا على أن نكون أكثر سعادة وأكثر قدرة على الصمود أمام متاعب الحياة، حيث وضعت عالمة النفس فانيسا كينغ عام 2016 نموذج (GREAT DREAM) والذي يعد دليلاً لإيجاد السعادة في حياتنا اليومية والنجاح داخل العمل أو حتى خارجه.
من المؤكد أنّ المسار نحو السعادة يختلف من شخص إلى آخر، لكن هذا النموذج يشير إلى أنّ هذه المفاتيح العشرة تميل إلى أن يكون لها تأثير إيجابي على السعادة، تدور المفاتيح الخمسة الأولى (GREAT) حول كيفية تفاعلنا مع العالم الخارجي في أنشطتنا اليومية وتستند إلى خمس طرق للسعادة، بينما تأتي المفاتيح الخمس الثانية (DREAM) من داخلنا وتعتمد على موقفنا من الحياة.
في هذه المقالة سنكتشف معاً المفاتيح العشرة والخطوات العملية نحو حياة أكثر سعادة:
- GIVING (G العطاء: القيام بأشياء لأشخاص آخرين
سواء أكنت تتبرع بالمال لأهداف نبيلة، أو تشارك خبرتك مع زميل، أو تتطوع في مبادرة خاصة، أو تتعامل بلطف مع الآخرين، فمثل هذه اللفتة الصغيرة قد تعني الكثير للآخرين، فالعطاء لا يجعل الآخرين فقط سعداء بل يجعلك أنت أكثر سعادة، حيث تظهر الأبحاث أن القيام بالأشياء من أجل الآخرين يحسن شعورك بالسعادة وله آثار إيجابية على صحتك بل ويعزز الثقة أيضاً ويمكنك من بناء علاقات عمل أقوى وأكثر تعاوناً.
- RELATING (R) التواصل: التواصل مع الأشخاص من حولك
نحن نعرّف أنفسنا إلى حد كبير من خلال الأشخاص الذين نعرفهم ونتفاعل معهم، والعلاقات الشخصية القوية مهمة ومؤثرة للغاية على مشاعرنا، لذلك نجد أنّ الأشخاص ذوي العلاقات الاجتماعية القوية والواسعة هم أكثر سعادة وصحة بحيث توفر العلاقات الوثيقة مع العائلة والأصدقاء الحب، والمعنى، والدعم، والشعور بالانتماء، لذا فإن اتخاذ إجراءات لتعزيز علاقاتنا وبناء الروابط كتطوير القدرة على الاستماع الجيد وقراءة لغة الجسد أمر ضروري للسعادة.
- EXERCISING (E) التمارين الرياضية: العناية بجسمك
جسمنا وعقلنا متصلان، فالتمتع بصحة جيدة يجعلنا أكثر نشاطاً وسعادة، لذلك نجد أنّ ممارسة التمارين الرياضية والاهتمام بالنظام الغذائي الصحي يقلل من التوتر ويساعد على التفكير بشكل أكثر وضوحًا ويرفع من مستويات الطاقة، ويحسن مزاجنا على الفور.
- AWARNESS (A) الوعي: لاحظ العالم من حولك
نحن بحاجة فقط إلى التوقف والتنبه، وملاحظة تفاصيل العالم من حولنا بطريقة موضوعية، فالوعي والإدراك من شأنه أن يصنع المعجزات من أجل سعادتنا في جميع مجالات الحياة في عملنا أو حتى مجال علاقاتنا، حيث يساعدنا في التعامل مع المشاكل الناجمة عن الإجهاد، ويمكننا من أن نكون أكثر إبداعًا كما يسعدنا على الانسجام مع مشاعرنا وكذلك مع مشاعر الآخرين ويمنعنا من التفكير في الماضي أو القلق بشأن المستقبل فالمفتاح إلى الوعي هو التركيز على الحاضر، حتى نحقق المزيد من يوم إلى يوم.
- TRYING OUT (T) المحاولة: الانفتاح على تجارب جديدة
امتلاك الشجاعة والفضول للاستمرار والمحاولة في تعلم أشياء جديدة، كالبحث عن خبرات جديدة، وتطوير مهارات جديدة، وإدراك الفرص المتاحة، يؤثر على سعادتنا بالعديد من الطرق الإيجابية، فالعمل على مشاريع غير مألوفة أو مبتكرة في العمل، على سبيل المثال، يمكنه توسيع خبراتنا، يمنحنا إحساسًا بالإنجاز، ويساعد على تعزيز ثقتنا بأنفسنا وقدرتنا على التكيف.
- DIRECTION (D) الاتجاه: تحديد الأهداف
الشعور بالرضا مهم لسعادتنا، فالسعادة تأتي جزئياً من العثور على الأشياء التي تهمنا، لذلك نحن جميعاً بحاجة إلى أهداف واضحة لتحفيزنا ولتمنحنا شعورا بالإنجاز والرضا عند تحقيقها، وإلى تحدي بما فيه الكفاية لإثارتنا، فاختيار الأهداف الطموحة والواقعية يجعلنا ندرك الاتجاه الذي علينا أن نضبط بوصلتنا الذاتية عليه.
- RESILIENCY (R) المرونة: البحث عن سبل للمحاولة مرة أخرى
يقول نيلسون مانديلا “قمة المجد ليست في عدم الإخفاق أو الفشل بل في القيام بعد كل عثرة”، كل منا لديه أوقات من التعب أو الخسارة أو الفشل أو الصدمة في حياته، ومن المؤكد أنه لا يمكننا التحكم بما يحدث لنا في الحياة دائماً، ولكن يمكننا اختيار طريقة تفاعلنا مع ما يحدث، حيث يمكن أن تؤثر الطريقة التي نتفاعل بها بشكل إيجابي مع الانتكاسات على سعادتنا عند تغيير طريقة تفكيرنا واعتبار أن الفشل هو فرصة ثانية للبدء من جديد، وبالتالي المرونة والقدرة على التعافي بسرعة وفعالية من هذه النكسات.
- EMOTIONS (E) العواطف: اتخاذ نهج إيجابي
مهما شهدت الحياة من منعطفات، فعلينا امتلاك النظرة الإيجابية دائماً بالنظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس، علينا التركيز على المشاعر الإيجابية مثل الفرح والامتنان والرضا والإلهام، فالقدرة على تنظيم مشاعرنا أو ما يسمى “الذكاء العاطفي” يعد من ضمن المهارات القيادية الهامة التي لا تؤثر بشكل إيجابي على الشعور بالسعادة والرضا فحسب بل وعلى الحياة المهنية أيضًا.
- ACCEPTANCE (A) القبول: تقبل ذاتك
لا أحد مثالي، لكن للأسف في كثير من الأحيان نقارن أنفسنا بالآخرين وتكون أحكامنا الذاتية قاسية وغير مفيدة، في حين أن قبولنا لأنفسنا كما هي وتحديد نقاط القوة التي يمكن الاستفادة منها والمناطق التي يمكن تحسينها، يعزز من إحساسنا بالسعادة كما يساعدنا على قبول الآخرين كما هم.
- MEANING (M) المعنى: كن جزءًا من شيء أكبر
جميعنا يتوق إلى معنى أو هدف في حياته، بمعنى أن يكون وجودنا أو عملنا مرتبطاً بغاية أكبر، حيث تُظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين يمتلكون معنى وهدف في حياتهم هم أكثر سعادة، يمكن أن يشمل “المعنى” في بعض الأحيان مجموعة كبيرة من تجارب الحياة، كالإيمان الديني أو الانتماء إلى مجتمع معين إلى الإيمان برسالة المؤسسة التي يعمل بها الشخص، وبالتالي فإن هذا المعنى يجعلنا أكثر انجازاً وفعالية وبالتالي أكثر سعادة.
السعادة هي وسيلة تمنحك الطاقة الداخلية لمواجهة صعوبات الحياة، يقول ماثيو ريكارد “السعادة شعور عميق من الإشراق، ينبعث من عقل سليم استثنائي” لقد تم تطوير نموذج (GREAT DREAM) كي يوفر إطاراً يمكن استخدامه لبناء حياة أكثر سعادة، لذلك ستجد أن هنالك العديد من الطرق لتطبيق عناصر هذا النموذج في حياتنا اليومية، فقط فكر في مدى أهمية كل عنصر بالنسبة لك، وستغير من طريقة تفكيرك كي تكون شخصاً اسعد وأفضل، وتذكر كيف يمكن لتفاصيل صغيرة أن تُحدث فرقاً كبيراً في حياتنا.