يتحدث الباحثون عن ستة قديسين معروفين باسم مارينا أو مارينوس: مارينا الراهب، مارينا شهيدة أنطاكية، مارينا الإسبانية، مارينا المصرية، مارينا من صقلية ومارينا السيسترسيانية. ومع ذلك، هناك على الأرجح اثنتين فقط كانتا موجودتين حقا – مارينا الأنطاكية التي إستشهدت من أجل إيمانها ومارينا الراهب الذي عانى من ظلم في دير قنوبين، شمالي لبنان.
يفيدنا الباحث و الكاتب (Leon Clugnet) أنّ الارتباك المتعلق بكل القديسين الآخرين الذين يُطلق عليهم اسم مارينا، يعود سببه إلى المترجمين ونسخهم حيث نسبوا أصول القديسة إلى بلدانهم أو بلدان أخرى يشعرون أنها تتناسب بشكل أفضل مع حياتها. ولهذا السبب نجد أنّ النسخة اليونانية من حياة القديسة مارينا تضع ميلادها في بيثاني. أما النسخة القبطية في مصر وأخرى لاتنية تضعها في إيطاليا.
ولكن وفقًا لأقدم الروايات و البحوث وأيضاً الإكتشافات عن مارينا – الراهب ، بحسب Clugnet دائماً، أن الأصل الوحيد للقديسة مارينا هو الذي عرفناه وفقًا للتقليد، و هو الموجود بين الموارنة في لبنان وعليه فإنّ لبنان يعتبر أرض ولادتها (Clugnet 1904: 565).
مارينا قد نشأت في لبنان، عاشت وماتت في دير قنوبين في وادي قاديشا المقدس.
يُقال إنّ والدها كان تقياً واراد أن يترهّب بعد وفاة زوجته، و لأنها كانت تتوق كما والدها الى الحياة الرهبانية التي لم تكن متاحة للنساء في ذاك الوقت والظرف والمكان، غيّرت اسمها وأخفت أنوثتها لتدخل الدير وتخدم الرب تحت إسم الراهب مارينوس.
وبعد موت الوالد ظلّت في الدير وهي تُعتبر راهباً، الى يوم اتهمت بالزنى مع احدى النساء، واضطرت الى تربية الولد المزعوم انه منها. قبلت وربّت الولد بعيداً عن الدير. قبلت العقاب عن جريمة لم ترتكبها، وذلك لإنقاذ آخرين.
كان حبها للرب أولوية في حياتها التي كانت زاخرة في الصلاة والإماتات والتأمل.عند موتها عرف الرهبان انها امرأة وذاعت شهرة قداستها. يُقال انها سكنت مغارة قرب دير قنوبين.
ويعتبرها البعض كنسخة أنثوية من “آباء الصحراء” النساك المسيحيين الأولين، الزاهدين… هؤلاء الرهبان الذين غادروا المدن الوثنية إلى بناء الكنيسة من خلال إيمانهم وتضحياتهم الكبيرة.
في عصرنا حيث يغرق كثيرون منا في فخ رسم صور ذاتية مضخمة عنهم… و فيما عالمنا يضجّ بالكثير من هذه الصور الإفتراضية:
كم نحن بحاجة أن يستوقفنا القديسون الصامتون، كم نحن بحاجة أن نُخرج من وراء الستار، نماذجهم في فضائل الصبر والتواضع والوداعة أمام الرب…. القديسة مارينا اليوم في صمتها ووداعتها تضعنا أمام التساؤل:
كم مرة سمحنا لأنفسنا بأن نتبنى هذه الفضائل التي تبدو أقل وضوحا؟
كم مرة كان رأي الرب فينا أهم من رأي الناس؟
كم مرة تنازلنا كي تنتصر المحبة على الأذية؟
اليوم و رفاتها تزور مسرح نشأتها، لكل مظلوم نطلب صلاتها !!