Mariage, Wikimedia Commons © Jason Hutchens/Sydney, Australia

ما علاقة سرّ الزواج بسرّ التناول المقدّس بحسب بنديكتوس السادس عشر؟

القسم الثالث من الموسيقى والليتورجيّا

Share this Entry

رأينا في القسم السابق، الأساس اللاهوتيّ لنشيد الكنيسة الليتورجيّ في بعده الواقعيّ.  يُكمِل البابا ويقول: إنّ نشيد الكنيسة هذا،  بين الإستمراريّة والتجدّد، يتبعُ تصميم التطـــوّر نفسه مثل صيغة الليتورجيّا وبناية الكنيسة، وفن الإيقونة المقدّس. ويصبحُ كتاب المزامير كتاب صلوات الكنيسة الناشئة،  كنيسة ترتفع صلواتها نحو الله في الأناشيد.

من البديهيّ أنّ الناس يصــلّون الآن المزامير مع المسيح. كان إسرائيل، في قانونه، قد نسبَ بعض المزامير إلى الملك داود، وأعطاها هكذا أساسًا لاهوتيّا وموضعًا في التاريخ المقدّس. أمّا المسيحيون، فإنهم ينظرون إلى المسيح مثل داود الحقيقيّ، فمن الطبيعيّ أن داود، في الروح القدس، قد صّلى بذاك ومع ذاك الذي سيصيرُ ابنه، وفي الوقت نفسه ابن الله. وبفضل هذا المفتاح، وظّف المسيحيّون صلاة إسرائيل مع الوعي بأن يجعلوا منها نشيدًا جديدًا. هكذا، أعطيَ تأوينٌ ثالوثيّ للمزامير (يقول البابا): فإنّ الروح القدس، ملهِم النشيد وصلاة داود، كان قد جعله يتكلّم عن المسيح بفم المسيح نفسه. وهذا يُتيح لنا، من خلال المزامير، أن نتكلّم مع الآب بالمسيح، في الروح القدس. وتأويل المزامير هذا، في الوقت نفسه هو ” بنوماتولوجيوكرستيولوجيّ،  ينطبقُ على النصّ مثلما ينطبق على العنصر الموسيقي: الروح القدس هو الذي يعلم داود أن ينشد، ويعّلم إسرائيل، ثمّ الكنيسة. لأنّ النشيد الذي يتجاوز الكلام الإعتياديّ، هو حدثٌ بـــنوماتيكيّ.  وموسيقى الكنيسة، في الأصل، هي موهبة (كاريزم). موهبة من الروح القدس، إنها موهبة الألسن الحقيقيّة، اللغة الجديدة الآتية من الروح القدس. وهي التي تعطي المجال لـــلسُكُر المعتدل للإيمان. إنه ” سُكر ” لأنّ جميع إمكانات العقلانيّة المحضة قد أجتيزت.  إلاّ سُكرٌ معتدل لأنّ المسيح والروح القدس يسيران معًا. وإن هذه اللغة السكرى، تظلّ تحت إشراف اللـــوغوس، في عقلانـــيّة جديدة هي، ما وراء كلّ قول، في خدمة الكلمة الأوليّة، أساس كلّ عقل.

يرى بنديكتوس أنّ الكتاب المقدّس لاسرائيل يعرف دافعَين رئيسّين إلى الإنشاد أمام الله:

الشدّة والفرح، الظلم والخلاص. وعلاقة الإنسان بالله من المحتمل أنها تتّسم بإفراط بمخافة الإجلال، ولا تتيح لكلّ إنسان أن يعتبر هذه الأناشيد مثل أناشيد حبّ. صحيحٌ أنّ الثقة بالله، التي تسم هذه النصوص بعمق، تحمل الحبّ في أعماقها، إلا أنّ الأمر يتوقّف  على حبّ قاس ٍ وخفيّ. ويرى أيضا، إنّ جمعَ الحب والنشيد ظهرَ في العهد القديم بصورة غريبة نسبيّا، من زاوية سفر نشيد الأناشيد، الذي هو في ذاته مجموعة من أناشيد حبّ بشريّ جدا.  وإختيار دمجه في القانون، يوحي بأنهم في عهد مبكّر أعطوه تأويلات أوسع. وإذ استطاعوا أن يعتبروا قصائد الحبّ هذه، وهي أجمل القصائد في إسرائيل، مثل أقوال ملهمة من الكتاب المقدّس، فذلك لأنهم كانوا يرون فيها، بين السطور، سرّ محبّة الله وإسرائيل.

في لـغة الأنبياء، كانت عبادة الآلهة الغريبة تُمثّل بـ ” زنى ” ( بالمعنى الواقعيّ جدّا، كما أنّ رتب الخصوبة كانت تتضمّن البغاء المقدّس). وبالعكس، فإنّ انتخاب إسرائيل يظهر لهم مثل قصّة حب بين الله وشعبه وقد ختمت بميثاق (عهد). إنّما، يقول البابا، من خلال المفردات الخاصّة بهذه  القصّة – الخطوبة، والزواج .. الخ – تسنّى للحبّ البشريّ مثل إستعارة لأفعال الله في إسرائيل.  ويستعيد يسوع هذا التقليد في أحد أمثاله الأولى، حيث يقدّم ذاته مثل العريس. فحينما يسألونه لماذا تلاميذه لا يصومون، بخلاف تلاميذ يوحنا والفريسيين، يجيب: ” أيستطيعُ أهلُ العرس أن يصوموا والعريس بينهم؟ فما دامَ العريس بينهم، لا يستطيعون أن يصوموا، ولكن ستأتي أيّامٌ فيها يُرفع العريس من بينهم، فعندئذ يصومون في ذلك اليوم؟ (مرقس 2 : 19 – 20)، وهذه نبوءةٌ عن الآلام، ولكنها ايضا إعلان العرس، وهو موضوع واردٌ في أمثال يسوع. فمن خلال الآلام، كلّ شيء يتوجّه نحو أعراس الحمل التي تكوّن محورَ سفر الرؤيا.

يرى البابا بنديكتوس، في هذه الأعراس، شكل ليتورجيّا سماويّة تبدو وكأنها دائمًا قد استيقت الليتورجيّا الأرضيّة، فقد رأى  المسيحيّون في الإفخارستيّا مجيء العريس واستباق أعراس الله مع الإنسان. والتناول الأسراريّ يتناسبُ مع اتحاد الرجل والمرأة في الزواج. وكما أنّهما لم يكونا  سوى ” جسدٌ واحد “، كذلك نحنُ جميعًا، في التـــناول نصبحُ ” بنوما ” (روحا واحدًا) ولا نكونُ إلاّ واحدًا مع يسوع.

يرى بنديتكوس أيضا، في سرّ الزواج الذي هو إتحاد الله بالإنسان، كما كان العهد القديم يعلن عنه، يتحقق في ” سر ” جسد المسيح ودمه بصورة ٍ واقعية جدّا، من خلال آلامه ( أفسس 5 : 29 – 32 / غلاطية 3 : 28). وإنّ نشيد الكنيسة يخرجُ من اعماق المحبّة لله. ويقولُ أغسطينوس أنّ الإنشادَ هو خاصّة ذلك الذي يُحب. ولهذا، ” الإنشاد ” يعدّ ثالوثيّ أيضا: لأنّ الروح القدس، في الثالوث، هو المحبّة، فهو في الأصل من النشيد. فإنّ روح المسيح، إذ يســـحبنا في محبة المسيح، يقودنا إلى الآب. يتبع

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير