ضمن الزيارة الرسولية إلى بلدان البلطيق بين 22 و25 أيلول 2018 والتي تندرج تحت عنوان الرحمة الإلهية، سيتوجّه البابا فرنسيس إلى فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، والمدينة التي رُسمت فيها أوّل لوحة لـ”يسوع الرحمة” من قبل الرسّام البولندي يوجينيوس كازيميروسكي (1893 – 1939)، تحت إدارة القديسة فوستين كوالسكا (1905 – 1938) وإشراف مرشدها الروحي الطوباوي الأب ميشال سوبوكو (1888 – 1975) الذي كان في حينها مرشد دير الزيارة، مع العِلم أنّ الرسّام كان يستأجر شقّة من الراهبات تحت شقّة مرشدهنّ.
في التفاصيل التي وردت في مقال أعدّته أنيتا بوردان من القسم الفرنسي في زينيت، فإنّ البابا لن يزور كنيسة الثالوث الأقدس التي أصبحت اليوم “مزار الرحمة الإلهية” المفتوح للجميع كما طلب ذلك ذلك يسوع من القديسة فوستين؛ حتّى أنّ المزار مفتوح ليلاً نهاراً طوال أيّام السنة، ويمكن زيارته حتّى عبر الإنترنت من كلّ أنحاء العالم بفضل الكاميرا الموجودة، إلّا في 22 أيلول المقبل!
في الواقع، يوم السبت 22 أيلول، سيتوجّه الحبر الأعظم إلى مزار العذراء مريم “بوّابة الفجر” في المدينة القديمة الذي لقّبها البابا بيوس الحادي عشر بأمّ الرحمة. وأمام أيقونة العذراء التي تعود إلى القرن السادس عشر، سيصلّي الأب الأقدس، على أن يلتقي بعد ذلك الشباب أمام كاتدرائية القديس كازيمير: وهذا هو سبب عدم زيارة البابا مزار يسوع الرحمة. إلّا أنّ يسوع الرحمة الذي ستترك لوحته بشكل استثنائي المزار هو مَن سيترأس هذا اللقاء!
“عبر هذه الصورة، سأمنح الكثير من النِعم، ولتتمكّن كلّ نفس من التوصّل إليها”: كلمات المسيح تلك نقلتها القديسة فوستين في مذكّراتها، وهي تبدو مذهلة بكلّ بساطتها. فالمسيح يُظهر نفسه ويطلب أن يتمّ رسمه. كما وقال يسوع لفوستين أيضاً: “ها أنا أعطي البشر إناء، عليهم أن يأخذوا منه الرحمة. إنها تلك اللوحة التي تحمل جملة “يسوع، أنا أثق بك”.”
واليوم، ما زال المنزل الذي ظهر فيه يسوع للأخت فوستين حوالى مئة مرّة موجوداً، فيما الإسمنت استبدل المنازل الصغيرة الخشبيّة. ويشهد هذا المنزل يومياً صلاة مسبحة الرحمة الساعة الثالثة بعد الظهر، مع العِلم أنّ الحديقة التي زرعتها فوستين ليسوع تمتدّ أمام المنزل.
وكان يسوع قد أصرّ على رسم تلك اللوحة وقال لفوستين (التي لم تصدّقها وقتذاك الراهبات والمُعرّفين): “اعرفي أنّك إن أهملتِ رسم هذه اللوحة وعمل الرحمة، سيكون عليك التعويض في يوم الحساب عن عدد كبير من الأنفس”.
أمّا اللقاء مع الأب سوبوكو في فيلنيوس فهو الذي سمح بتحقيق طلبات المسيح!
رسم يسوع بالريشة
في أيّامنا هذه، أصبح مشغل الرسّام كنيسة: فالدار عُهدت لراهبات يسوع الرحمة اللواتي أسّس رهبنتهنّ الأب سوبوكو بعد وفاة القديسة فوستين، بحسب رغبة المسيح.
وقد كانت فوستين حاولت جاهدة رسم الصورة بنفسها، ثمّ بحثت سدى من حولها عن راهبات يُجدن الرسم. وهكذا، استدعى الأب سوبوكو جاره يوجينيوس كازيميروسكي الذي كان قد درس في فارسوفيا وكراكوفيا وباريس وروسيا وإيطاليا، وعاش لفترة في واشنطن.
مع العِلم أنّ الكاهن بذاته وجد صعوبة في تصديق أنّ المسيح يطلب أن يتمّ رسمه بالريشة، إلّا أنّ فوستين كانت تذهب مرّتين في الأسبوع طوال ستّة أشهر إلى منزل الرسّام برفقة أحد أفراد الرعيّة، أو برفقة راهبة أخرى، فيما الأب سوبوكو كان يرتدي بنفسه ثوب المسيح ليشكّل نموذجاً: وجب حماية هذا السرّ!
ولفترة طويلة، شكّك الجميع في وحي فوستين، إلى أن رُفِعت الشكوك حولها وحول يسوع الرحمة خلال حبريّة يوحنا بولس الثاني.
كانت فوستين تأتي لتشير للرسام كيف ترى المسيح، وكانت تُصحِّح جميع التفاصيل، خاصّة وأنّ يسوع أفصح لها: “إنّ نظرتي على هذه الرسمة هي نفسها التي كانت في عينيَّ على الصليب”، فيما النور الساطع يخرج من القلب، والنور الذي على الجبين يشير إلى وجود الآب. أمّا وضعيّة الرِجلَين فهي تُظهر أنّ يسوع يأتي نحو مَن يتأمّل به، فيما يده اليُمنى تباركه ببطء.
أمّا الشعاعان اللذان لا ينفصلان فهما يشيران إلى الماء والدم: الشعاع الشاحب يرمز إلى المياه التي تُبرِّر الأنفس، فيما الشعاع الأحمر يرمز إلى الدم الذي هو حياة الأنفس. “هذان الشعاعان انبثقا من أحشاء رحمتي فيما قلبي الذي كان ينازع على الصليب ثُقِب بالحربة… طوبى لِمن سيعيش تحت ظلّهما… أعد كلّ نفس تكرّم هذه اللوحة أنّها لن تضيع، وأعدها بانتصارها على أعدائها خاصّة عند ساعة موتها. وأنا بذاتي سأدافع عنها على أنّها مجدي”.
إلّا أنّ النتيجة التي نراها في أيّامنا هذه جعلت فوستين تبكي: “رأيتُ أنّ يسوع في اللوحة لم يكن بجمال يسوع حقيقة وتألّمت لذلك… قصدتُ الكنيسة وقلت للرب: “مَن سيرسمك بالجمال الذي أنت عليه؟” وفجأة سمعتُ تلك الكلمات: “عظمة اللوحة لا تكمن في جمال الألوان ولا في لمسة الريشة، بل في نِعمتي”.”
نشير هنا إلى أنّ لوحة يسوع الرحمة عُرِضت لأوّل مرّة أمام العلن في كنيسة سيدة الرحمة بين 26 و28 نيسان 1935 بحضور الأخت فوستين، فيما ألقى الأب سوبوكو عظة حول الرحمة الإلهية. وتقول فوستين: “عندما بدأ مُعرِّفي بعظته حول الرحمة الإلهية، اتّخذت اللوحة شكلاً حيّاً وتغلغل الشعاعان في قلوب الأشخاص الموجودين… ففرحت روحي كثيراً لرؤية نعمة الرب. ومع نهاية القدّاس، رأيت يسوع كما هو مرسوم على اللوحة. كان الرب يبارك الجميع، والشعاعان انتشرا على العالم بأسره”.
هذه هي النعمة التي يقترحها البابا فرنسيس على شباب ليتوانيا والبلدان الأخرى: لقاء مع يسوع الرحمة!