باسم الآب والإبن والروح القدس
تسلّل العصر الجديدNew Age في الكنيسة (1)
لسنا هنا في وارد شرح تعاليم العصر الجديدNew Age ، لكن تهدف هذه المقالة بشكل أساسي، إلى تسليط الضوء على خطرٍ حقيقي يُحدق بالكنيسة المقدّسة، ألا وهو تسلّل التعاليم المضلّلة لتيّار العصر الجديد، خصوصًا في السنوات الأخيرة، في بعض الممارسات الكنسية الرعوية والأكاديمية. مع العلم أنّ الرب يسوع له كلّ المجد، قد سبق وأكّد ثبات الكنيسة على الإيمان الحقّ وأنّ “أبواب الجحيم لن تقوى عليها”!(مت16/ 18) . لذلك نجد أنّ التوعية، في الوقت الحاضر، واجبٌ ملحّ وضروري لأنّ الجهل بخصوص هذا الفكر الغريب أصبح مُدقعًا ومُعيبًا وهو رائجٌ ومتداول بكثرة، ويا للأسف، بين عدد ٍكبير من المؤمنين. كذلك أصبحت بعض الممارسات الغريبة عن تقليدنا الرسولي منتشرة بشكلٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ كنيستنا، حتى بين عددٍ كبير من الكهنة والإكليروس، بحجّة اللحاق بركاب الحداثة والتكنولوجيا والمكتشفات العلمية وتطوّر العلوم الإنسانية. وهي بدأت كالمرض الخبيث تفتك بالجسد بشكلٍ مبطّن وسريّ وتتآكله تدريجيًا وتُعيث فيه خرابًا وفسادًا.
وقد سبق وأعطت الكنيسة المقدّسة رأيها في تيّار العصر الجديد في وثيقة “يسوع المسيح الحامل الماء الحي”[1] التي صدرت عن حاضرة الفاتيكان في 3 شباط 2003 . وهي تأمّلٌ مسيحي حول هذا التيّار قام به فريق من هيئاتٍ مختلفة تابعة للكرسي الرسولي هي: المجلس الحبري للثقافة والمجلس الحبري للحوار بين الأديان بالتعاون مع مجمع أنجلة الشعوب والمجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين. وهي موّجهة بشكلٍ أساسيّ إلى الملتزمين بالعمل الرعوي إكليروساً وعلمانيين حتى يكونوا مؤهّلين لشرح الإختلاف بين الإيمان المسيحي والعصر الجديد ولكي يتنّبهوا لأخطاره. وقد توصّلت الوثيقة إلى الخلاصة التالية: أنّ الإيمان المسيحي والعصر الجديد في تناقض وأنّ كلّ تعاليم هذا التيّار وممارساته لا تتلاءم مع الإيمان المسيحي. ننصح بقراءة هذه الوثيقة التي ما زالت تواكب بقوّة زمننا الحاضر وتجيب عن تساؤلاتنا بخصوص العصر الجديد، بالرغم من مرور خمسة عشر سنة على صدورها.
لا ننسى أيضًا الرسالة الموّجهة الى الأساقفة الكاثوليك “في بعض مظاهر التأمّل المسيحي”[2] الصادرة عن مجمع العقيدة والإيمان في 15 تشرين الأول سنة 1989. والتي حذّرت من خطورة محاولات مزج التأمّل المسيحي بالتأمّل غير المسيحي وما قد ينتج عنها من تلفيقات وأضرار جسيمة في الإيمان (هذا الأمر نفسه أشارت إليه وثيقة “يسوع المسيح الحامل الماء الحي” في الفصل 6 ، الفقرة2 لأنّ تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي هي من ضمن تقنيات العصر الجديد)
وثيقة يسوع الحامل الماء الحي مؤلّفة من 7 فصول. في الفصلين الأوّلين تعريف عن العصر الجديد ومختلف مكوّناته وفي الفصول الباقية مقارنة بينه وبين الإيمان المسيحي. وأخيرًا بعض المقترحات الرعائية المهمّة وملحق ومعجم بأهم مصطلحات العصر الجديد.
في الفصل السادس من الوثيقة، نقرأ بعض التوصيات المهمّة حول أهمية التوعية والمتابعة الرعوية والتنشئة المسيحية المتينة، بالإستناد إلى الوثائق والمراجع الرئيسية للكنيسة الكاثوليكية. ومن المبادرات العملية التي توصي بها: تفعيل كلّ شبكات الكنيسة الكاثوليكية مثل المراكز الرعوية والثقافية والروحية العديدة بإقامة ندوات عامة للدرس والنقاش مع الإشارة إلى وجوب استنهاض روحانية مسيحية حقيقية وضرورة تصحيح عمل بعض المراكز الكاثوليكية للتعليم التي تلتزم غالباً تديّن العصر الجديد في الكنيسة. إذًا تشير الوثيقة بوضوح إلى تسلّل روحانية العصر الجديد في الكنيسة، كما تشدّد على ضرورة اليقظة بشأن بعض الناشطين الذين يروّجون لديانات بديلة ومن بينهم بعض المؤسّسات الدولية التي تقود حملات ناشطة لصالح التنوّع الديني بشكلٍ يُثير الريبْة أحيانًا.
كما تحذّر من خطر استعارة الحكمة الشرقية الآسيوية وتقنياتها التأمّلية (مثل اليوغا والزن والتأمل التجاوزي وما شابهها) في الصلاة المسيحية. وتلفت إلى أنّ كثيرين مقتنعون بعدم وجود أيّ خطر إنْ هم “استعاروا” بعض الحكمة الشرقية (كما يفعل بعض الكهنة الذين يروّجون ليوغا مسيحية).
وتضيف الوثيقة أنّه علينا التفكير مليًا لأنّ مثل هذا الأمر قد يدفع البعض إلى الإلتزام بدينٍ آخر كالهندوسية، على الرغم من كلّ إعلانات الحياد لمعلّمي اليوغا والتأمّل التجاوزي. لذلك الوعي مطلوب لمعرفة لمن يتوّجه التأمّل، أإلى الله الذي عرفناه بالرب يسوع أم إلى الأعماق المخبّأة في الأنا. لذلك وجب أنْ يُنشّأ المسيحيون على الصلاة المسيحية الحقيقية، التي هي بيسوع المسيح، في الروح القدس، نحو الله الآب. وتدعو الوثيقة إلى الأنجلة الجديدة ومن أهم أدواتها التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية مع الإستفادة من ثروات التراث الآبائي. وأخيرًا تحثّ المؤمنين على الخروج من الكاتدرائيات إلى العالم ليقدّموا له الإنجيل، البشرى السارة، وليشهدوا للمسيح برجائهم وفرحهم ومحبتهم.
بالفعل وكما تؤكّد الوثيقة فقد نجح فكر العصر الجديد الجذّاب والمغري بوعوده وادّعاءاته الواهية، في التسلّل إلى بعض المؤسّسات المسيحية وإلى بعض اللاهوتيين والرعاة بأشكال عديدة، خصوصًا من خلال:
تشويه التفسير البيبلي الكنسي بتفاسير نفسية مدّعين أّنّها مستوحاة من علم النفس الكلاسيكي،
المناداة بروحٍ عصريٍ دخيل غير تقليدي يقول بتحديث العقائد التي يصفها بالبالية والتخلّي النهائي عن الآبائيات، الترويج لتقنيات تأمّلية هجينة تخلط التصوّف المسيحي بالتصوّف الشرقي أي ما يسمّى ب”يوغا مسيحية”،
إدخال ما يُعرف ب تقنيات التنمية البشريةLe Développement personnel في مناهج الجامعات ومعاهد التنشئة اللاهوتية والتي ولدتها أساسًا مراكز تابعة للعصر الجديد والحذف التدريجي للتقليد الرسولي الشريف وكل ما له علاقة بالتأمّل المسيحي وبتعليم الكنيسة الكاثوليكية (بإنكار وجود الخطيئة والشيطان وجهنم و…) وبالتالي طغيان تقنيات التمحور حول الذات والتنمية الشخصية بالجهد الشخصي كما هو رائج في العلوم الباطنية، أنسنة اللاهوت وتشويهه بتهميش عمل الروح القدس واستبداله بطاقات حيوية كونية سلبية وإيجابية،
إدخال تقنيات نفسية بديلة مستحدثة أو من العلم الكاذبpseudo science أو إستعمال أدوات “إيزوتيريكة” تحت عنوان علم النفس، في النشاطات والرياضات الروحية مثل: السوفرولوجيSophrologie – البرمجة اللغوية العصبيةPNL- التنويم الايحائيHypnose – التاسوعية – ennéagramme تأمّل الوعي التام mindfulness ou méditation de pleine conscience – علم النفس عبر الشخصيpsychologie transpersonnelle- التفكير الإيجابيPensée positive
Psychologie positiveعلم النفس الإيجابي
وإدخال ما يسمّى بالدورات النفسية والروحيةSessions psycho spirituelles بالرغم من تضارب المساريْن وعدم كفاءة المنشّطين والتباس هويتهم الإيمانية في أغلب الأحيان- نفسَنة الإرشاد الروحي…
سنعرض لكم هذه المواضيع بشكلٍ موّسع ونشرح الإشكاليات ونحدّد المحاذير والمخاطر الممكنة في المقالات اللاحقة إن شاء الله. لمجد المسيح. (يتبع)
جيزل فرح طربيه- باحثة في البدع
[1]http://www.vatican.va/roman_curia/pontifical_councils/interelg/documents/rc_pc_interelg_doc_20030203_new-age_fr.html
[2]http://www.vatican.va/roman_curia/congregations/cfaith/documents/rc_con_cfaith_doc_19891015_meditazione-cristiana_fr.html