مع تقديمه أمنياته بعيد الميلاد يوم 21 كانون الأوّل الحالي، تطرّق البابا في كلمة ألقاها على مسامع أعضاء الكوريا الرومانيّة في قاعة كليمانتين في القصر الرسولي إلى آفة الاعتداءات الجنسيّة، واعتداءات الضمير والسلطة، المُرتكبة ضمن الكنيسة، كما وذكر بشكل عام “عدم إخلاص” بعض الأشخاص المكرّسين، بناء على ما نقلته لنا الزميلة آن كوريان من القسم الفرنسي في زينيت.
ففي خطابه الطويل، وبّخ الحبر الأعظم الكهنة الذين يتصرّفون “كأسياد الخلاص، وكمراقبي أسرار الله، وكموظّفي الله الجمركيّين”، متكلّماً عن “عدم إخلاص مَن يخونون رسالتهم وعهدهم ومهمّتهم وتكرّسهم لله وللكنيسة، ومَن يختبئون خلف نواياهم الحسنة ليطعنوا إخوة لهم، وليزرعوا الشرّ والانقسام والتشويش، ومَن يجدون دائماً التبرير حتّى المنطقيّ والروحيّ لفعلتهم، كي يتابعوا سلوك طريق الضياع”.
وأضاف الأب الأقدس: “ليس هذا أمراً جديداً في تاريخ الكنيسة، فطريق الجحيم مطبوع بالنوايا الجيّدة”، ثمّ شجب الأمر قائلاً: “خلف من يزرعون الشِقاق، هناك دائماً الثلاثين قطعة من الفضّة الخاصّة بيوضاس”.
أسياد الخلاص والمسيطرون عليه
تابع البابا قائلاً: “إن كانت شخصيّتا داود والإسخريوطي “ستبقيان مطبوعتين في الكنيسة”، إلّا أنّهما تتميّزان بالتوبة. فداود تاب وعهد بنفسه لرحمة الله، فيما يهوذا انتحر”. ودعا البابا إلى “مواجهة أيّ فساد روحيّ، وهو أسوأ من سقوط خاطىء، لأنّ الأمر يتعلّق “بعمى مُريح وكاف” حيث يبدو كلّ شيء شرعيّاً: الخيانة والافتراء والأنانيّة وأشكال أخرى من مرجعيّة الذات، بما أنّ الشيطان بنفسه يتنكّر بشكل ملاك النور”.
كما وأشار الحبر الأعظم أيضاً إلى أنّه “ليس على الأشخاص المكرّسين أن يتصرّفوا كأصحاب امتيازات يعتقدون أنّ الله إلى جانبهم، بل كأشخاص يعرفون أنّ الله يُحبّهم على الرغم من كونهم خطأة وغير مستحقّين. يجب ألّا ينسوا أنّهم ليسوا إلّا خدّام كرمة الرب، لأنّهم غالباً ما يتصرّفون كأسياد الخلاص، وليس كخدّام للقطيع الذي عُهد لهم”.
ذئاب خلف وجههم الملائكي
في السياق عينه، شجب البابا فرنسيس المكرّسين الذين “يستغلّون الضعفاء عبر استفادتهم من سلطتهم الأخلاقيّة والإقناعيّة”. فهُم “يرتكبون منتهى الشرّ ويتابعون ممارسة كهنوتهم وكأنّ شيئاً لم يكن؛ لا يخشون الله ولا حُكمه، بل يخشون أن يُكشف أمرهم وأن يسقط القناع عنهم. إنّهم كهنة يمزّقون جسم الكنيسة، متسبّبين بالفضائح ومُشوِّهين سمعة رسالة الكنيسة الخلاصيّة وتضحيات العديد من إخوتهم… غالباً خلف لطفهم الذي لا حدود له، وعملهم الذي لا عيب فيه ووجههم الملائكي، يخفون بدون حياء ذئباً مُريعاً مستعدّاً لالتهام الأرواح البريئة”.
واللافت في كلمة البابا أنّه توجّه مباشرة إلى مَن يعتدون على القاصرين قائلاً لهم: “ارتدّوا وسلّموا أنفسكم إلى العدالة البشريّة، واستعدّوا للعدالة الإلهيّة”، مؤكّداً أنّ “النور يتغلّب على الظلمة، وأنّ المنطق الإلهي لا يتوقّف أمام الشرّ، بل يحوّله تدريجيّاً إلى خير”، وخاتماً بالقول إنّها “ليست أوّل مرّة أن يكون “قدّيسون” يعملون في الكوريا الرومانيّة”.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الأب الأقدس قدّم لكلّ معاونيه كتاب « Précis de Théologie Ascétique et Mystique » للكاتب أدولف تانكراي (1924) حول الحياة الداخليّة.
وبعد إعطائهم البركة، ألقى البابا التحيّة على كلّ واحد منهم.
أمّا بعد لقاء البابا بأعضاء الكوريا الرومانيّة، فقد أوضح المونسنيور مارتشيلو سيميرارو (أسقف ألبانو وأمين سرّ مجلس الكرادلة المكلّف مساعدة البابا في إصلاح الكوريا) ما جاء في خطابه.
فبالنسبة إليه، هدفت كلمة البابا إلى تطهير الكنيسة، خاصّة وأنّ الأب الأقدس أعطى رؤية للكنيسة “متجذّرة في الحقيقة الحيّة التي تقتصّ قوّتها ونورها من المسيح القائم من الموت”.
وأضاف المونسنيور سيميرارو أنّ “البابا فرنسيس أراد تسليط الضوء على الأحداث الداخليّة في الكنيسة، بدون أن يكون يحكم على أحد. وهو يتفحّص الكنيسة عبر التنبيه إلى ما يطالها، وهذا كلّه يؤدّي إلى التطهير والتمييز”.
وتابع سيميرارو توضيحه قائلاً: “عدا عن الشجب، تطرّق البابا إلى الخطوات المُشجّعة التي أُنجِزت عام 2018، ومن بينها متابعة إصلاح الكوريا وسينودس الشباب الذي حصل قي تشرين الأول الماضي، ممّا يُظهر حيويّة الكنيسة. وأَفهَم البابا العالم أنّ الكنيسة تُجيد الحوار، خاصّة مع الأجيال الجديدة”.