تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة باليوم العالميّ للسّلام، وذلك في الأوّل من شهر كانون الثاني. تهتم الكنيسة بموضوع السّلام لأنّه يطال البشريّة جمعاء. يتحدّث العهد الجديد عن السّلام “عيشوا بالسّلام وإله المحبّة والسّلام معكم” (2 كو 13: 11)، “سلامًا أترك لكم سلامي أُعطيكم ليس كما يعطي العالم أُعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب” (يو 14: 27).
يدعونا السيّد المسيح لعيش السّلام الذي يرتكز على المحبّة والحقيقة والحريّة والعدالة، والذي يطال جميع المؤمنين بيسوع المسيح وغير المؤمنين به. أليسَ هو ملك السّلام ومصدره؟ أَلَم يأخذ إنسانيّتنا ليهبنا ألوهيّته؟ ألا يعني هذا أنّه زرع في قلوبنا وعقولنا الرحمة والرأفة وسلام القلب والمسامحة؟ نعم، أعطانا القدرة لبناء السّلام المهدّد يوميًّا في عصرنا لأسباب كثيرة، أبرزها: حبّ السيطرة، والعنف، والشرّ، والتسلّط، والكبرياء، واللامبالاة والحقد والانتقام وغيرها. يعيش عالمنا حالة من “الانتحار” والعنف والشرّ يومًا بعد يوم. من هنا لا بدّ أن نصلّي من أجل إحلال السّلام وتحقيقه. ألا يُطلب منّا بناء هذا السّلام مع الذات والآخر والطبيعة؟ هل تصالحنا مع الله ببناء علاقة محبّة وأخوّة؟ لنربّي على السّلام من خلال ثقافة احترام الحياة وحقوق الإنسان بتعزيز قيم التضامن والتعاضد وغيرها، التي تصبّ في خانة تحقيق السّلام العادل والشامل والدائم وعيش الأخوّة. ألسنا من صانعيّ السّلام؟ لنمتلئ من السّلام، لكي نستطيع أن نفيض بالسّلام على الآخرين “طوبى لصانعي السّلام لأنّهم أبناء الله يُدعون” (متى 5: 9). لنكن أبناء السّلام من خلال أعمالنا وأفعالنا المُعاشة يوميًّا، أي من خلال احترام الآخر وتعزيز العدالة والتنمية المُستدامة، التي تصبّ في توزيع الموارد الطبيعيّة بطريقة عادلة، حتى تتحقّق العدالة الاجتماعيّة، فيسود الأمان وتنحصر الخلافات والحروب والفساد والجريمة. لنرفض فكرة إلغاء الآخر والتعدّي على حقوقه. لننزع حالة “شهوة الربح والانتصار” على الآخر، بطرق غير شرعيّة، لا إنسانيّة ولا أخلاقيّة. لنحدّ من تعلّقنا “بعطش السلطة” والاستعداد “لخسران الذات وموتها”، بهدف تدمير حياتنا وحياة الآخر.
نعم، للسّلام الداخليّ. نعم، لحلّ النزاعات والاضطرابات والصراعات والحروب بطرق سلميّة وحضاريّة. لنحافظ على أنفسنا وبخاصّة على سلامنا كي لا نعيش اضطرابًا يدفع بنا إلى الهلاك. سلامكَ يا ربّ، يعطينا القوّة للتغلّب على التشاؤم والخوف من الغد. سلامكَ يا ربّ، يهبنا الشجاعة والقوّة والرجاء، والأمان ونقاوة القلب والضمير والرحمة؛ لأنّكَ حاضر بشخصك معنا؛ وسلامكَ يرافقنا دومًا وأبدًا. أنتَ السّلام الحقيقيّ، ونردّد مع الملائكة “المجد لله في العلى، وعلى الأرض السّلام، والرجاء الصالح لبني البشر” (لو 2: 14).
لا لثقافة العنف، نعم للسّلام وثقافة السّلام.