“كإخوة يحبّون بعضهم البعض” هو عنوان النصّ الذي كتبه الأب لوران ستالا بورديون مدير خدمة محترفي المعلومات في أبرشيّة باريس بتاريخ 7 شباط الحالي، ضمن تحليل لرحلة البابا فرنسيس إلى الإمارات، وقد نشره القسم الفرنسي من زينيت.
من أبرز ما كتبه ستالا بورديون أنّ “رحلة الأب الأقدس إلى الإمارات كانت فرصة للاحتفال بالنسبة إلى أكثر من مئة ألف شخص، إلّا أنّ الرهان في مجيء فرنسيس إلى الإمارات موجود في لقائه مع الدكتور أحمد الطيب إمام الأزهر، وفي التوقيع على الوثيقة المشتركة التي يبدو أننا لم نفهم بعد بُعدها التاريخيّ بالكامل. وإن تحمّلت السلطات الدينيّة والشخصيّات السياسيّة مسؤوليّاتها لأجل خدمة خير المجتمعات والمؤمنين، لن يتحمّل أحد الحرمان من غنى هذه الوثيقة.
إنّ معاناة العديد من الأبرياء في العالم بلغت حدّاً لم يعد من الممكن البقاء بلا حراك بوجهه. فالإنسانيّة تقضي على نفسها عندما تصبح علاقتها بالله منحرفة. ولهذا الانحراف سببان: إمّا نسيان الله الذي يولّد الفرديّة واللامبالاة، أو فساد فكرة الله بذاتها، ليصبح معبوداً يبرّر الدفاع عنه كلّ أشكال العنف! لذا، أصرّ البابا والشيخ على أنّ الأديان لا تحفّز مُطلقاً على الحروب أو إراقة الدماء، لأنّ هذه المآسي هي ثمرة انحراف التعاليم الدينيّة والاستخدام السياسيّ للديانات وتأويلات مجموعات رجال الدين الذين استغلّوا في بعض مراحل التاريخ تأثير المشاعر الدينيّة على قلوب البشر، ليقودوهم إلى مكان بعيد كلّ البُعد عن حقيقة الديانة، لأجل أهداف سياسيّة واقتصاديّة دنيويّة عمياء. “لذا، نطلب من الجميع الكفّ عن استغلال الديانات للحثّ على الحقد والعنف والتطرّف والأصوليّة العمياء، ونطلب الكفّ عن استعمال اسم الله لتبرير القتل واللجوء والإرهاب والقمع”. ومن هنا، اعتُبِر اللقاء بين الرجلين تاريخيّاً.”
وتابع ستالا بورديون قائلاً: “إنّ الأديان وُجدت لتبادل الحوار، فيما العقائد تُحسَم في احترام المؤمنين كإخوة وأخوات. والخير ليس شيئاً يجب فعله، بل هو شخص يجب أن نحبّه، كما قال موريس زاندل. وفي الوقت الذي نرى فيه الإسلام مُهدَّداً بانتشار الأصوليّة، اقترب البابا فرنسيس من ذاك “الأخ المؤمن ليحبّه ويساعده”، مُفعِّلاً بذلك ضمير رسالة الكنيسة، ومتوجِّهاً نحو أقاصي الأرض لتقديم العناية لأجل خير البشريّة بالإجمال… كما وأنّ الإمام الذي يناضل ضدّ الأصوليّة سمح بهذا التقارب مع البابا وقَبِل صداقة الأخير. من هنا، إنّ الأب الأقدس يُمارس حبريّته بالأفعال وليس فقط بالكلام، جاعِلاً علاقته بالآخرين التعبير المرئيّ عن عقيدته الخاصّة التي بدورها تعكس إيمانه الكاثوليكيّ. وهو يشهد للمسيح عبر تفضيل الشراكة على الانقسام، والأخوّة الإنسانيّة على المنافسة العقائديّة. فلا شيء يشهد على المسيحيّة أكثر من العلاقة مع الآخرين، بناء على علاقة الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس”.
وختم ستالا بورديون تحليله قائلاً: “إنّ البابا فرنسيس لا يُعيد كتابة التاريخ، بل على مِثال القدّيس فرنسيس الأسيزي، إنّه يجعل نفسه شاهداً في القرن الواحد والعشرين على مستقبل مسالِم. وعبر هذا الالتزام، إنّ اللقاء الذي حصل هو تاريخيّ ونبويّ، لنعيش كإخوة يحبّون بعضهم البعض. قال اليسوعيّ بيار تيلار دي شاردان: “على البشريّة أن تعيش كعائلة واحدة إن أرادت الصمود”. وعلى إعلان أبو ظبي الآن أن يُنشَر ويُعلَّق عليه ويُدرَس بصبر وبعمق، لكي تقولب الإنسانيّة أخوّة تحرس البيت المشترك”.