CC0- Pixabay creative commons

لماذا تلقى تقنيات وبرامج التنمية البشرية الرواج

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة – 25

Share this Entry

إنّ تقنيات وبرامج التنمية البشرية، التي يُروَّج لها من خلال بعض الكتب والدورات التدريبية، قد يعلّم بعضها معتقدات غريبة وقد تدرّب على وسائل علاجية بديلة غير علمية تحت مسميّات علمية تحفيزية وجذّابة.

بالفعل، يدّعي بعضُ مروّجي هذه التقنيات، أنّ في عقل الإنسان قدراتٍ خفية لامحدودة وأنّ هناك طرقاً علمية بإمكان الإنسان بواسطتها تفعيلها. عندها يستطيع مثلاً أن يحقّق النجاح والثراء وكلّ ما يحلم به، أن يتخلّص من متاعبه ومشاكله، أن يحصل على السلام الداخلي ويصل إلى التوازن الروحي، أن يُشفى من كلّ الأمراض ويتحكّم في الأشياء عن بُعد أو أن يكشفَ الغيب ويتنبأ بالمستقبل!

لماذا تلقى هذه التقنيات كلّ هذا الرواج؟ لأنّها بكلّ بساطة محفزّة وواعدة ومتمحورة حول الذات، تعرض على الناس طرقاً بسيطة سريعة وتفاعلية (لا يعرضها علم النفس عادةً) تمكّنهم، بحسب ادّعائهم، إستثمار قدراتهم الكامنة فيهم إلى أقصى حدّ. كما تعرض عليهم حلولاً بديلة كثيرة ومغامرات جديدة لم يختبروها من قبل، قد تبدو حلاًّ مغرياً وسهلاً في ظلّ ظروف حياتية صعبة وضاغطة. ينطبق على هذه التقنيات تسمية فنّ “تصدير الأمل” بما أنّها تعد بتحقيق المستحيلات. مع الإشارة إلى أنّهم يتجاهلون أموراً كثيرة مهمّة وجوهرية كالتمايز والإختلاف بين الأشخاص، التفاوت في المواهب والقدرات التي وضعها الله في الإنسان،… بالإضافة إلى أنّ تقنياتهم واقتراحاتهم لا تستند إلى أسس علمية تجريبية يمكن قياسها والتأكّد من فاعليتها.

وما أكثر المدربّين في هذا المجال وهم يدعّون الخبرة في مجال التنمية البشرية ولا نعلم ما هي مؤهلاتهم الحقيقية ومن أين حصلوا على شهاداتهم. أصبحت هذه البرامج تجارة مربحة تلقى لها رواجًا منقطع النظير خصوصاً على مواقع التواصل الإجتماعي، وهي تعطي شهادات وألقاب لتحفّز الشباب التوّاق إلى التقدّم والتعلّم وتحقيق الذات. ويتجاسر منظمّو هذه الدورات، بدعوة أشخاص إلى بلادنا يقولون أنّهم فلاسفة وأساتذة جامعيون إختصاصيون في هذا المجال، لكن يتضّح لنا فيما بعد أنهم لا يملكون الكفاءة العلمية اللازمة أو هم أتباع لبدع كالعصر الجديد أو لبدع أخرى تشبهها  وما أكثرها في هذه الأيام وهي تعلّم الأضاليل نفسها.

يُعرض كلّ هذا على أنّه حالة إنسانية متعالية لا علاقة لها بالأديان، ضمن قوالب علمية يستعملون فيها مفردات ومصطلحات حديثة مثل: حالة اللاوعي أو اللاشعور، العقل الباطن، الذاكرة الجماعية، الذاكرة الكونية، التزامنSynchronicité، القدرات اللامحدودة، التحرّر من قيود العقل الواعي بالتنويم Hypnotherapy training، أسلوب سيلفا،Access consciousness bar[1]….

ما يتمّ الترويج له بالفعل، هو تقنيات تعديل لمستويات الوعي من أجل بلوغ حالة من التخدير أو “إنعدام الوجود” و”الفراغ و ذوبان الأنا” التي يسعى إليها عادةً من يمارس اليوغا، أيّ ما يُعرف ب “النيرفانا”وهي حالة من انعدام عمل العقل في تقييم موضوعي objectif للأفكار وفحصها بميزان المنطق. إنّها حالة من حالات  “الوعي المعدّل” Etats de conscience modifies التي نشهد مثيلاً لها في حالات الغسيل الدماغي والبرمجة الذهنية والحالات الإدمانية (كالإدمان على المخدّرات والمهلوسات والكحول …) وهي حالةٌ مطلوبة لتلقين المتدرّب ما يريدونه من تعاليم. يدّعون أنّ في هذه الحالة بالذات تصير لديهم قدرات خارقة، مثلاً القدرة على قراءة مجلّدات خلال دقائق معدودة من خلال برنامج القراءة الضوئية، أو معرفة معلومات عن ماضيهم ومستقبلهم في برنامج خطّ الزمن، والشفاء الذاتي بالطاقة الريكي، والطاقة البشرية والبرمجة اللغوية العصبية، …

يقول مثلاً أحد أهم مدربّي برامج البرمجة اللغوية العصبية PNL والطاقة البشرية والمسوّق الأول لها في البلدان العربية، أنّ الدخول في حالة النشوة والخلوة التي يصل إليها من يمارس الكي كونغ Qi quong مثلاً، تسمح له أن يحلّ أيّ مشكلة نفسية أو جسدية أو روحية. وهي حالة من التنويم المغناطيسي الذاتي Etat de Transe  بحيث يكون الجسد والعقل والروح في انسجامٍ تام، ما يُسهّل إعادة برمجة العقل وبالتالي تسهيل عملية التغيير والشفاء.

من بعض إشكاليات التنمية البشرية بحسب آراء علماء النفس والإجتماع:

  • يقولون أنّ مصطلح التنمية البشرية مصطلح غير صحيح لأنه مصطلح عام لا يصحّ على مستوى الفرد بل على مستوى الإقتصاد والسياسة والشركات. على مستوى الفرد، الأصح أن نسمّيه “تنمية ذاتية” أو “تنمية القدرات الذاتية”.
  • إنّ منشّطي التنمية البشرية لا يملكون الكفاءات العلمية المعترف بها في الوسط العلمي الأكاديمي ولا المرجعية الشرعية للشهادات التي يكتسبونها بسرعة. بالرغم من ذلك، هم يدّعون الكمال والقدرة على مساعدة الناس وتغيير حياتهم بشكل كلّي بدون الإستعانة بعلم النفس. ويؤكّد علماء النفس والإجتماع أن وعود هؤلاء كاذبة لأنّ كثيرين يعانون من مشاكل نفسية وبحاجة إلى علاج نفسي وبعض تدريبات التنمية البشرية ليست كافية لهم. لذلك يقول البعض عن التنمية البشرية أنّها ثورة مضادة لذوي الإختصاص في العلوم الإجتماعية وعلم النفس لأنّ مدرّبي الحياة والتنمية البشرية لا يملكون الكفاءة اللازمة.
  • الأسس التي ترتكز عليها متزعزعة وغير علمية خصوصًا عندما يتعلّق الأمر بتقنيات الطاقة الكونية والغيبيات وقانون الجذب والتفكير الإيجابي والإيحاء الذاتي والتنويم الذاتي والسوفرولوجي الخ. يقولون أنها خليط من بعض المبادئ الصحيحة في علم النفس وعلم الإدارة وفرضيات خيالية أشبه بالخرافات والأساطير تجعل منها “وصفات سحرية للتغيير” مقتبسة بغالبيتها من معتقدات ديانات الشرق الأقصى.

مثلاً تصرّح د. هالة سمير وهي مدرّب دولي معتمد، أنّ جامعة هارفرد رفضت في السنوات الأخيرة، تصنيف التنمية البشرية كعلم .

  • التركيز على محورية الأنا والإتكال المفرط على الذات إلى حدّ التأليه الشخصي.
  • ضرورة تنظيم هذا المجال والقيام بأبحاث وإحصاءات جديّة وموضوعية وتفعيل الرقابة لأنّ الدجل فيه منتشر بشكلٍ كبير.

يتبع

لمجد المسيح

[1]  تهدف هذه التقنية بحسب ادعائهم، الى تحرير ذاكرة الخلايا في الجسم لبلوغ درجات اعلى من الوعي

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير