“ليوم واحد، فلنترك جانباً الإحصائيّات: الفقراء ليسوا أرقاماً مُلفتة للأنظار لنتباهى بأعمالنا ومشاريعنا. الفقراء هم أشخاص يجب لقاؤهم”: هذا ما كتبه البابا فرنسيس في رسالته الخاصّة بيوم الفقراء العالميّ لعام 2019، والتي نُشِر محتواها البارحة في 13 حزيران.
وقد أكّد الأب الأقدس في رسالته التي تحمل عنوان “رجاء الفقراء لا يخيب أبداً”، بحسب ما ورد في مقال أعدّته الزميلة آن كوريان من القسم الفرنسيّ في زينيت، أنّ “الله لا يتخلّى أبداً عن الفقير”.
أمّا الرسالة بحدّ ذاتها فهي تُدافع عمّن أصبحوا “جزءاً من مكبّ بشريّ للنفايات، ومَن يُعامَلون كالنفايات ويُعتَبَرون طُفيليّات في المجتمع”: “لا أحد يُسامح الفقير على فقره… لا يمكن للفقير أن يسمح لنفسه أن يكون خجولاً أو مثبّط العزيمة، فهو يُعتَبر تهديداً أو شخصاً عاجزاً، فقط لأنّه فقير”.
ثمّ حذّر الأب الأقدس قائلاً: “لن يبقى الوضع هكذا للأبد… فالتهميش الذي يطال ملايين الأشخاص لا يمكن أن يدوم طويلاً أكثر، لأنّ صرختهم تزداد وتطال الأرض برمّتها”.
وبالنسبة إلى الأب الأقدس، لدى المسيحيّين مسؤوليّة خاصّة، “لأنّ تعزيز الفقراء الاجتماعيّ يُظهر واقعيّة الإيمان المسيحيّ وقيمته التاريخيّة”: “إنّ الحبّ الذي يمنح الحياة للإيمان بيسوع لا يسمح لتلاميذه بالانطواء ضمن فرديّة خانقة مخفيّة في الحميميّة الروحيّة، بدون أيّ تأثير على الحياة الاجتماعيّة”.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّه لمناسبة اليوم العالمي الثالث للفقراء الذي سيُحتَفَل به في 17 تشرين الثاني 2019، (والذي تأسّس مع اختتام يوبيل الرحمة عام 2016)، طالب البابا “بمرافقة مع التزام يدوم، وبعمل حبّ مجّانيّ لا يبحث عن أيّ مكافأة”.
في السياق عينه، ودائماً في رسالته الخاصّة باليوم العالميّ الثالث للفقراء، كرّم الحبر الأعظم الكنديّ جان فانييه (1928 – 2019)، مُؤسِّس جماعة “لارش” في فرنسا، قائلاً إنّه “رسول الفقراء وقدّيس”، ومؤكِّداً أنّ “الفقراء يُنقذوننا”.
فجان فانييه الذي “فتح طرقاً جديدة للمشاركة مع الأشخاص المهمّشين عبر تكرّسه لهم، تلقّى من الله هبة تكريس حياته للإخوة المعوّقين الذين مال المجتمع إلى إبعادهم… وبواسطة حماسته، عرف كيف يجمع حوله العديد من الشباب والرجال والنساء الذين أعادوا الابتسامة إلى الكثير من الأشخاص الضعفاء… وقد غيّرت شهادة فانييه حياة العديد من الأشخاص، وساعدت العالم لينظر أكثر إلى المهمّشين والضعفاء بنظرة مُختلفة. بفضل فانييه، سُمعت صرخة الفقراء، ونتج عنها رجاء…”
وفي الرسالة أيضاً، حثّ الأب الأقدس المتطوّعين قرب الفقراء على “أن ينموا في التزامهم” قائلاً لهم: “أحثّكم على البحث مع كلّ شخص فقير تلتقونه، عمّا يحتاج إليه حقّاً، وعلى عدم التوقّف عند الضرورة المادية الأولى، بل إعادة اكتشاف الطيبة التي تختبىء في قلبه، مع التنبّه إلى ثقافته وطريقته في التعبير عن نفسه بهدف البدء بحوار أخويّ حقيقيّ. فلنضع جانباً الانقسامات التي تتأتّى من رؤى إيديولوجيّة أو سياسيّة، ولنحوّل أنظارنا إلى الأساسيّ الذي لا يحتاج إلى الكثير من الكلام، بل إلى نظرة حبّ وإلى يد ممدودة”.
كما وحذّر البابا من “قلّة التنبّه الروحيّ” لدى الفقراء قائلاً: “الفقراء بحاجة إلى الله قبل أيّ شيء… والفقراء بحاجة إلى أيدينا لينهضوا، وإلى قلوبنا ليشعروا مجدّداً بدفء العطف، وإلى وجودنا ليتغلّبوا على الوحدة. إنّهم يحتاجون ببساطة إلى الحبّ… وإلى كلمة ودودة. إنّ الفقراء يُنقذوننا، لأنّهم يسمحون لنا بأن نلتقي بوجه يسوع المسيح”.