أبراهام ماسلو Abraham Maslow (1908-1970)
نقرأ على موقع “الإتّحاد الوطني لجمعيات الدفاع عن العائلات والأفراد ضحايا البدع” UNADFI [1] وهي جمعية حكومية متخصّصة في محاربة البدع، أن ّحركة التنمية البشرية نشأت في الستينيات، في مراكز تابعة لتيّار العصر الجديد مثل مركز إيسالين في الولايات المتحدة الأميريكية بوحيٍ من علم النفس الإنساني. أسّس علم النفس الإنساني “أبراهام ماسلو” الذي يُعتبر من المؤسّسين الأوائل لحركة القدرات البشرية وأوّل من أدخل التنمية البشرية في القطاع المهني.
وضع ماسلو ما يُعرف بهرمية الإحتياجات Maslow’s hierarchy of needs وفي قمّتها تحقيق الذات Self Realisation . يعتبر ماسلو أنّ للإنسان إحتياجات منظّمة بشكلٍ هرمي. في قاعدة الهرم، هناك الإحتياجات الفيزيولوجية الأساسية كالغذاء والنوم… ثم احتياجات الأمان الفيزيائي كالمسكن والإحتياجات الإجتماعية كالإنتماء إلى جماعة، العلاقات العاطفية…. هذه الإحتياجات الثلاث تعتبر أوّلية. إذا تمّ إشباعها، ظهرت إحتياجات ثانوية للنمّو الشخصي، كالحاجة إلى التقدير واحترام الذات والشعور بالقيمة الذاتية. وأخيراً في قمّة الهرم تبرز الحاجة لتحقيق الذات، أي تنمية كلّ حاجات الشخصية الفكرية، العاطفية، العلائقية وقبول الذات. تنطلق التنمية البشرية برأيه، من هذه الرؤية الإيجابية للطبيعة البشرية (التي لا تعتبرها طبيعة ساقطة بفعل الخطيئة) ولها شعار “كُن ما أنت”. تعرّضت هذه النظرية لعدّة انتقادات من علماء النفس والإجتماع الذين قالوا مثلاً إنها أهملت تفاوت الإحتياجات بين شخص وآخر، وموضوع الإشباع وحجمه، كما أهملت الإحتياجات الروحية.
سنة 1954 كتب ماسلو مؤلّفًا وضع فيه معتقداته بعنوان: Motivation and Personality “الحوافز والشخصيّة”. يرى فيه أنّ عالم النفس سيغموند فرويد ركّز كثيرًا على الجانب المظلم من البشرية، مُهمِلاً ما في الإنسان من قدرات كامنة وإمكانيات قابلة للنموّ في الخير والقيم الأخلاقية، التي تمكّنه من التفوّق بقوّته الشخصية ليصبح شبه إله. واستعان ماسلو بمصطلحات لاهوتية في تعابيره مثل “التسامي” وغيرها.
تأثّر به معاصروه مثل عالم النفس كارل روجرز Carl Rogers (1902-1987) وإريك فروم Erich Fromm (1900-1980) ورولو ماي Rollo May (1909-1994) فنشأ ما سمّي بعلم النفس الإنساني Humanistic psychology الذي روّج في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بشكلٍ أساسي أنّ الناس خيّرون وعندهم قدرات لامحدودة.
ثم ّأسّس ماسلو فيما بعد بالتعاون مع أنطوني سوتي Antony Sutich (1907-1976) وستانيسلاس غروف Stanislas Grof (1931-…) (وهو من أهمّ الناشطين في مركز إيسالين)، ما يُعرف ب”علم النفس عبر الشخصي” [2]Transpersonal psychology الذي مزج علم النفس بروحانيات الشرق الأقصى.
نقرأ في مجلة علم النفس عبر الشخصي سنة 1969، أنّ هذا العلم يهتمّ بقدرات الإنسان القصوى، الوعي الكوني، الوعي الموحّد، وحدة الوجود والتجربة الصوفية. في الوقت نفسه، ظهر مصطلح التدريب [3]Coaching الذي أُدخل تدريجيًا في مجال التدريب المهني في الشركات ومجالات التربية والتغذية والتنمية البشرية.
يميّز الفيلسوف “ميشال لاكروا” بين العلاج النفسي والتنمية البشرية التي هدفها أن تعطي قيمة إضافية للفرد ولا تسعى إلى ملء نقائص ناتجة عن مشاكل نفسية من الماضي. وهو يتوجّه إلى أفراد في صحّة نفسية جيّدة يرغبون في إنشاء “مشروع حياة”. إذاً تتّجه التنمية البشرية برأيه، نحو كيفية تحقيق أهداف مستقبلية أكثر من توجّهها نحو حلّ مشاكل من الماضي. وقد تأخذ لها عدة أشكالٍ مختلفة:
*شكل اسمه التمكين Empowerment وهو يعمل ضمن نطاق “الأنا” ويهدف إلى تحفيز الشخصية وتثبيتها بتنمية قدراتها وكفاءاتها بالإضافة إلى إدارة المشاعر، الملكات الفكرية، زيادة الثقة بالنفس، تحقيق المشاريع، تحسين التواصل…
*شكل ثانٍ يُعرف بتسمية “توسيع الوعي” Awareness of consciousness لا يهدف إلى تقوية الأنا لكن إلى “تذويبها” أي أن تذوب في العالم من أجل بلوغ ما يسمى ب”شعور المحيط”. يتحقّق هذا بواسطة تقنيات تعديل الوعي مثل إعادة الولادة Rebirth[4]، التنفّس الهولوتروبيك Holotropic breathwork[5] وغيرها.
عندما أدخلت التنمية البشرية في تيّار العصر الجديد أنتجت في مركز إيسالين تقنيات كثيرة [6] مثل: الرولفنغ Rolfing ، الجستالت Gestalt مع فرتز بيرلز، Analyse Bio energetique تحليل بيو طاقة مع ألكسندر لوين، التنجيم الهيكلي stuctural Astrology، تشخيص حدقة العين Iridology (من التشخيصات الغيبيّة). كما روّجت للبرمجة اللغوية العصبية NLP، السوفرولوجي Sophrology، التاسوعية Enneagram (مع هيلين بالمر) وغيرها [7] وأدخل أغلبها في تقنيات التدريب coaching
هدفها، ليس فقط تفعيل وتحسين القدرات البشرية وتحسين التواصل وحلّ النزاعات وإدارة الوقت وزيادة الإنتاجية، ولكن تهدف إلى الإرتقاء بالوعي إلى أسمى المستويات من أجل تحقيق الألوهة بالجهد الإنساني والوصول إلى الإستنارة Enlightment والكمال الشخصي. ساهم في نشر هذه الأفكار، كما قلنا في المقالات السابقة، عالم النفس كارل غوستاف يونغ الذي روّج لفرضيات مثل التزامن synchronicité والنماذج الأصلية Archétypes واللاوعي الجماعي Inconscient collectif ونظريته عن الفردانية Individuation التي تقول إنّ للشخص مساراً ليصير كلاً بحسب نموذج الذات. الهدف هو التواصل بين الوعي واللاوعي، من أجل تنمية أكثر تكاملاً لشخصية الفرد. هذه الأفكار ألهمت المعالجات النفسية التحليلة وما يعرف ب”مؤشر مايرز بريغز” Myers Briggs Type Indicator (MBTI) وهو اختبار للتقييم النفسي بحسب منهج اقترحته Myers Isabel Briggs سنة 1962.
لمجد المسيح !
يتبع
[1] UNADFI: Union nationale des associations de défense des familles et de l’individu victimes de sectes
[2] علم النفس عبر الشخصي هو فرع من علم النفس الإنساني يدخل الروحانيات في علم النفس وهو خليط من: علم نفس كارل غوستاف يونغ المتأثر بقوة بالهندوسية والبوذية، علم النفس المعرفي السلوكي، السوفرولوجي واليوغا.
[3] ظهر هذا المصطلح بداية في مجال الرياضة البدنية سنة 1861 ثم استعمل في مجالات متعددة منها التربية وتنمية القدرات البشرية وعلم النفس.
[4] إعادة الولادة هي تقنية من من الطب النفسي البديل والتنمية البشرية أطلقها ليونارد أورر في الستينيات في إطار تيار العصر الجديد. وهي ممارسة ذهنية شبيهة بالتفكير الإيجابي، تُمارس بواسطة التنّفس والموسيقى وتمارين جسدية موّجهة، يحدّد فيها الشخص الأماكن التي هي مصدر مشاكله، فيعزلها عن وعيه ليولد من جديد من خلال الوهم في أمكنة أكثر راحة وأمانأً.
[5] التنفس الهولوتروبيك هو تعبير عن مجموعة من ممارسات من العصر الجديد، لضبط التنفس بشكل واع بهدف التأثير على فكر ومشاعر والوضع الفيزيائي إيجابياً للعلاج. ليس لهذه التقنية مفاعيل علاجية مؤكدة وقد تسبّب آثاراً سلبية.
[6] لمعرفة المزيد مراجعة كتاب: بدعة العصر الجديد في مواجهة كنيسة المسيح، الأب انطوان يوحنا لطوف، جيزل فرح طربيه (المكتبة البولسية) وكتاب: تيار العصر الجديد من وجهة نظر الإيمان المسيحي، جيزل فرح طربيه، دار المشرق.
[7] somatanalyse, intégration posturale, body mind movement, psychosynthèse, conscience énergétique des chakras, biosynergie, technique du dialogue intérieur, massage biodynamique, sophroyoga, training autogène…..