فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: “أَيْنَ أَنْتَ؟” تك ٣: ٩
لا تتعلق المسألة باكلة… بل هي “قتلة” قام بها الإنسان منذ ان قرر أن يقتل الله فيه ولو “نظريا”؛ يسمّيه الكتاب المقدس بالجهل:” قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: “لَيْسَ إِلهٌ”. فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا” (مز ١٤: ١). يضعنا الكتاب في أصل المشكلة، جهل الله، أي قتله عمدا، عن سابق تصوّر وتصميم…
اذا ، لماذا فسد الإنسان المخلوق اصلا على صورة الله ومثاله؟ هل لان هناك مشكلة تقنية في خلق الإنسان؟ بالطبع لا، فهذا مستحيل، لأن الله عندما يخلق، يخلق بإبداع وكمال. ان المشكلة هي في الإنسان، أي في استخدامه المنحرف لحريته وسوء إدارة ممتلكاته الفكرية والنفسية ولمواهبه الابداعية، لقد قرر أن يعتبر الله كأنه إنسان ومثله بالتمام، على غراره يبغي المنافسة والتزاحم والسيطرة وحب التملك، وبسبب حشريته وانهماكه، وما ادراك عندما يدخل الشيطان في التفاصيل؟ لقد نسي الإنسان الجاهل، حقيقة الله ملك الكون الابدي خالق العوالم والبرايا، وللأسف، عندما يطلب الانسان القوة لنفسه بمعزل عن الله تراه يموت موتا …
أين انت؟ سؤال يطرحه الله على آدم الامس وعلينا نحن ابناء اليوم؛ اين انتم يا أناس اليوم؟ لماذا نختبئ من الله خلف ورق الوهم والأحلام والاديولوجيات الخادعة؟
في ظل عالم الاعمال Business والتجارة والاقتصاد economic، نرى ذواتنا كأنها صارت معمل للانتاج فقط لا غير، ماكينة تعمل ليل نهار، من أجل رفع مستوى الانتاجية وزيادة رصيد المال والجاه والترف والبذخ، هذا ان استطعنا أن نهنئ بتعبنا… انا ماساة قديمة جديدة، ماساة الانفصال عن واقعنا الانساني والنفسي والروحي. وبسبب هذه الدراما المؤلمة، ننفصل بالتالي عن الواقع وعن حقيقة الذات، فنتمثّل رمزيا، بحالة انفصال المخ عن الجسم، ولماذا؟ لقد اقتنعنا، بان نأكل براثن ثقافة الاستهلاك والأنا… وبتنا في غربة عن ذواتنا، فاضعنا الطريق، وفقدنا بالتالي ما نملكه من كيان. لقد استُعبدت الذات لتتحوّل إلى اداة_ ماكينة خادمة الاستهلاكية المُفرطة ومن أحد مظاهر هذه العبودية الجديدة: الطعام الملازم لهوس النحافة، هوس اللباس الملازم لهوس الرمي، هوس الشرب الملازم لهوس المخدرات والسكر، هو الحب الملازم لهوس الإباحية الجنسية، هوس التلفون الملازم لهوس العالم الرقمي، هوي الصورة والصوت الملازم لهوس النجومية، هوس السياحة الملازمة لهوس السفر المفرط، اضف الى هوس التعليم في المدارس والجامعات الباهظة الاثمان الخ…. استهلاك باستهلاك وبقدر ما يأكل الفكر من ثمرة الكبرياء بالقدر عينه ينحدر إلى مستوى الانبطاح الكياني. لقد تهنا في رغبة آدمية دفينة لم نستطع لغاية الآن وربما احيانا وبصعوبة التحكم بها، لانه لا يزال حلم جدنا الاول آدم يغوينا في حاضرنا المتأزم، اضف الى ضغط فحيح الاعلام والاعلان الذي يشبه بشكل قوي فحيح الحية المغوية، يطربنا بوعوده الزائفة…
عندما صدق جدنا الاول نفسه ولو لبرهة من الزمن بانه قادر أن يصبح الهًا وسيدًا على نفسه دون الله، كان سقوطه عظيما، لقد سقط بسبب هذا الاغواء الشرير!! وهكذا يحدث، عندما نسقط بسبب تصديقنا الساذج لاوهام العالم ولشروره والركون الى مخالطة أشراره…
يتبع….