في الأدب الروحي، يتم التحذير من سبع آفات أساسية تلقي الإنسان في وحول الخطيئة وتدعى بالذنوب الكاردينالية وهي “الغرور” و”الجشع” و”الشهوة” و”الحسد” و”الشراهة” و”الغضب” و”الكسل”. يستحوذ الثلاثي “الغرور” و”الجشع” و”الشهوة” على معظم الاهتمام وعليها يسيل الكثير من الحبر. و يوصَّف الكبرياء كجذر لكل خطيئة، فنذكر كيف حوّل ملاك النور الى شيطان في تمرده على الله صارخاً: لن أخدم! و يُنظر إلى الجشع على أنه أساس إنحراف أنانيتنا وسبب عمانا تجاه حاجات الآخرين. أما الشهوة فقد جعلناها تحمل السمعة الأسوء كما لو كانت الوصية السادسة هي الوصية الوحيدة.
مع عدم إنكار أهمية الحذر الشديد من تلك الآفات، لكنّ الغضب (الذي يُجانب الكراهية) يبقى الأكثر شيوعًا والأخطر. يغامر الأب رولهايزر بالقول إنه الأسوء فإنه سهل التمويه وبالإمكان تخريجه كفضيلة. مرارتنا وعدم مقدرتنا على تقبل الآخر قد تخرج تحت ستار الغضب باعتباره سخطًا مبررًا على أخطاء الآخرين… نسارع لكسر الآخر في الوقت الذي نحن فيه بطيئون للغاية في الثناء على حسناته. يتابع الأب رولهايزر محذراً: حينها نضع الكمال عدو الطيبة، وبما أنه لا يوجد شيء ولا أحد مثالي، فنحن دائمًا في وضع حرج وفي غضب غير متكافئ وفي تعاسة.
والمشكلة الأكبر هنا تكمن في عدم فهم لماهية (الغضب النبوي). دانييل بيريجان، في توصيفه لمعايير النبوة، يقول (وعن حق) أنّ النبي هو شخص يأخذ نذر الحب أولاً.
أما معظمنا – خاصةً حين يتعلق الأمر بالله والدين والدفاع عن الحقيقة – نمارس الغضب كعسكرة غير صحية وندعوه “إلهي”!و لكن النبوة تتميز بالحب المتأني والمتأمل وإن متألم لإعادة الاتصال، ولا تتسم أبداً بالغضب الجارف الذي يسارع الى البتر والإنفصال.
الغضب النبوي الصحي، أظهره يسوع أحيانًا لكن لنذكر أن غضبه هذا كان في وجه ما يتنكر كغضب نبوي…
اليوم، نعيّد للقديسة مريم ليسوع المصلوب المعروفة بالعربية الصغيرة. و من أقوالها الرائعة ما يلي :” يا رب، إنك أنت هذا الوجود، كثيرون هم الذين يرغبون فيك، لكنهم عميان،
لا يدرون كيف يطلبونك، ولا كيف يرونك، ولا كيف يجدونك، لأن الظلمات تُعمينا.”
نعم، الظلمات تعمينا…
و كم من ظلمة نُحدثها بردات فعلنا التي نموّهها تحت إسم (الغضب المُحق).
كم نعيق الطريق الى الرب ونحن نظن أننا ندافع عنه!
نعم،لا ندري كيف نطلب الرب ولا كيف نراه…
فغالباً ما نراه ونطلبه مفصّلاً على قياس فهمنا و نلبسه ردات فعلنا…
في مكانٍ آخر تضيف القديسة:
“سمعت صوتًا كان يخرج من هذا النور العجيب ويقول: “إن أردتِ أن تبحثي عني، أن تعرفيني، أن تتبعيني، إستغيثي بالنور، أي روح الرب القدوس”.
فعلّنا اليوم، نستنير بالنور لنُعطى الحكمة فنعرف كيف نميّز الحقيقة ونقدّمها دون مساومة وأيضاً دون أن نجرّح المحبة.
و لنذكر أن أسوأ ظلماتنا تحدث حين نتمسك بجهالاتنا.