Chakra - Geralt - Pixabay - CC0 - https://pixabay.com/illustrations/chakra-energy-centres-body-center-3131643/

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة (32)

رأي كاثوليكي في التنمية البشرية (9)

Share this Entry

في هذه المقالة سنحاول أن نعطي بعض معايير التمييز Discrinimation Criteria بخصوص تقنيات التنمية البشرية بشكلٍ عام، حتى نستطيع أن نميّز فيها معًا، ما هو مخالف للعلم الحقيقي والتعاليم التي تتناقض مع الإيمان المسيحي.

في السنوات الأخيرة، إنتشرتْ في أميركا وأوروبا، جماعاتٌ ومؤسّساتٌ تروّج لتقنيات التنمية البشرية، من أجل تدريب وتحفيز الكادرات في الشركات والإدارات والمؤسّسات الإقتصادية. لكن اتّضح فيما بعد أنّ للكثير منها انتهاكات بدعويّة. فظهرت على أثر ذلك منظّمات حكومية وغير حكومية، لمحاربتها والتحذير منها وللدفاع أيضاً عن حقوق ضحاياها. نذكر مثلاً MIVILUDES “البعثة الوزارية لمحاربة الإنتهاكات البدعوية والتحذير منها” وهي ناشطة للغاية في فرنسا، وقد نشرت دليلاً للتوعية بخصوص إنتهاكات هذه الجماعات.[1]

نذكر من هذه التقنيات المنحرفة على سبيل المثال، تقنية أسلوب سيلفا Silva Method التي ابتدعها خوسيه سيلفا Jose Silva (1914-1999) وهو يعلّم، في المؤتمرات التي ينظّمها، أنّ للإنسان قدرات كامنة لا محدودة تمكّنه من شفاء أمراض الجسد والنفس، بواسطة تقنيات التأمّل والتنويم وتمارين “التصوّر الموَجّه” وما شابهها. وينصح سيلفا كذلك بالتواصل مع أرواحٍ مرشدة تساعد في النموّ الشخصي.

نُشير أوّلاً إلى أنّ الإدّعاء بأنّ للإنسان قدرات لامحدودة، هو ادّعاءٌ ينقصه البرهان العلمي. فإذا كان الإنسان كائناً مخلوقاً محدودًا، فكيف تكون قدراته لامحدودة؟ مع العلم، أنّه بنعمة المسيح وحدها، يستطيع المؤمن أن يرتقي إلى الإنسان الجديد بحسب تعبير الرسول بولس إلى أهل كولوسي:” ولبستُم الجديد الذي يتجدّد للمعرفة حسب صورة خالقه” (كو3/ 10)، “إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله. إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح” (أف4/ 13).

 لذلك نحن “لا نفشل، بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدّد يوماً فيومًا” (2كو4/ 16).

هناك أيضًا فِرق ونوادٍ تعمل بشكل مبطّن وتجاريّ محض. فهي لا تفصح بالكامل عن أساليبها وبرامجها وتستعمل طرق الإذلال والتحقير والإستغلال العقلي للمشاركين، كما تروّج لتعاليم تيّار العصر الجديد، مثل قانون الجذب Law of Attraction والتفكير الإيجابي Positive Thinking وأمور أخرى تجعل الشخص مسؤولاً عن كلّ ما يحصل له بمعزل عن الله، أكان خيرًا أم شرًا أو تجعله يعتقد “بالنسبية” Relativism فيوازي بين الخير والشر ويرى بتأثيرٍ من “الحلولية” أنّ الكون عبارة عن شبكة عملاقة من الذبذبات والتردّدات، يتأثّر فيها الإنسان بطاقات غير مرئية من حوله… وغيرها أيضًا من المعتقدات غير العلميّة والتي تتناقض مع الإيمان المسيحي.

أمّا التقنيات الرائجة في مؤتمراتهم، فهدف أغلبها بلوغ حالاتٍ معدّلة من الوعي Etats de conscience modifiés، بواسطة الإيحاء الذاتي والتصوّر الذاتي والتنويم والتأمّل الموّجه وتأمّل الوعي الكامل Mindfulness وتمارين التنفّس وتعاليم تخلط النصائح العملية المفيدة بما هو من الأوهام والأضاليل، كأساليب لتفعيل القدرات والتحفيز الذاتي من أجل إنتاجية أفضل وتحقيق نجاحات مهنية على الصعيد الشخصي والجماعة. وينظّم بعضهم رحلات دورية إلى الهند أو التيبت للتعرّف على معلّمي غورو في الأشرام، أو لزيارة سحرة شامان في أميركا الجنوبية. وغالباً ما  يُفرض بالقوّة على المشتركين أن يجنّدوا مشتركين آخرين في برامج التدريب.

تلقى هذه البرامج رواجاً منقطع النظير وتشهد تعاضد المنشطّين والمشتركين معاً بالرغم من التجارب السلبية التي تحصل وبالرغم من التبعية الفكرية والإستغلال النفسي والمادي.

تؤكّد الباحثة “مارسيا مونتينيغرو” أنّه نشأت جماعات، انشقّ أغلبها عن كنائس مسيحية (غير رسولية)، تستعمل هذه التقنيات وتعرّف عن نفسها على أنها جماعات مسيحية، مع أنّه تنطبق عليها عدّة معايير بدعوية مثل معياريْ الإنغلاق والسرّية. ولهذه مراجع مشبوهة أغلبها لكتّاب من العصر الجديد ومن الفكر الجديد New Thought  يُعتبرون من الروّاد المؤسّسين لما يُسمّى بحركة تنمية القدرات البشرية.

وتذكر مونتينيغرو أسماء مثل :Napoleon Hill, Norman Vincent Peale, Jhon Maxwell , Larry Levenson, Larry Crane, Helen Palmer,…

وأسماء مشبوهة أخرى مثل:

Tozer, Oswald Chambers, J.I. Packer, Stephen Covey, Rick Joyner, Scott Peck.

و تقول إنّ آخرين (هم لاري ليفنسون Larry Levenson ولاري كرينLarry Crane) أنشأوا تقنيةً سمّوها “تقنية الإطلاق” Release Technique وهي تعدُ أتباعها، إنْ هم حفظوا تعاليم جماعتهم، ونمّوا قدراتهم وفكّروا إيجابياً من أجل جذب الإيجابيات، أن يتخلّصوا من كلّ مخاوفهم وأمراضهم وأن يحقّقوا السعادة والغنى والبحبوحة. تعلّم هذه التقنية أيضًا، أنك أنت الإنسان الأفضل وأنّ كلّ الحب في الكون هو من طبيعتك. هكذا أنت تتحكّم بعالمك كما تريد، وتحقّق كلّ ما تشتهيه نفسك.

أصبح هناك العشرات من تلك الجماعات والمؤتمرات والدورات، منها ما يأخذ له شكلاً مسيحياً ومنها ما هو من “العلمنة”secularism  أو من “الأنسنة”Humanistic  التي تعرّف عن نفسها كجماعات مسيحية.

نميّز أموراً  شائعة عندهم مثلاً: لا يقبل قادة هذه الدورات أو المشاركون السابقون فيها بمشاركة مسبقة بمحتويات الندوات مع المشتركين الجدد، يطلبون من المشتركين التوقيع مسبقاً على اتفاقية بعدم الإضرار بمؤتمر التدريب ومنظّميه، عندهم مغالاة في تحفيز المشتركين وإفراط في الوعود، يتّهمون منتقديهم بالتعصّب والإنغلاق، لا يسمحون للمشتركين بالنقد الموضوعي والتقييم من ذواتهم، يشجّعون على الإنتهازية والتلاعب واللاأخلاقية.

لا تشاكلوا هذا الدهر

يحثّنا الربّ على ضرورة تمييز الأرواح (1يو4/1) وتمييز الأمور المخالفة (فل1/ 10) حتّى نكون بلا عثرة إلى يوم المسيح. كما يشدّد على أهمية أن نفرز وأن نغربل: “كل الأشياء تحلّ لي لكن ليس كلّ الأشياء يوافق” (1كو6/12).

 لنتذكّر أنّ الربّ يسوع لم يعمل في الخفاء بل علّم كل شيء علنًا ( يو18/20) وطلب منّا أن نميّز كلّ شيء بالحجّة العقلية والمنطق، على ضوء الكلمة الإلهية وتعليم الكنيسة المقدّسة والآباء القدّيسين.

“هلمّ نتحاجج…” (أش1/18) يقول الربّ.

لذلك يقول كاتب المزمور “تفكّرتُ في طرقي، ورددتُ قدميّ إلى شهاداتك” (مز119/ 59). طاعةً للوصية الإلهية “تحبّ الرب إلهك من كلّ قلبك، ومن كلّ نفسك، ومن كل ّفكرك…” (مت22/ 37).

وينصح الرسول بولس “لا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله: الصالحة المرضية الكاملة، فإنّي أقول بالنعمة المعطاة لي، لكلّ من هو بينكم: أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي، بل يرتئي إلى التعقّل، كما قسم الله لكلّ واحد مقدارًا من الإيمان” (رو12/2-3). لنطلب إذًا المواهب الروحية لبنيان الكنيسة (1كو14). ولنحفظ وديعة الإيمان التي تسلّمناها و”كلّ ما هو حق، كلّ ما هو جليل، كلّ ما هو عادل، كلّ ما هو طاهر، كلّ ما هو مسرّ، كلّ ما صيته حسن، إن كانت فضيلة وإن كان مدح، ففي هذه افتكروا” (فل 4/8).

باختصار “ليكن فينا هذا  الفكر الذي في المسيح يسوع” (فل2/ 5 ).

بعض معايير التمييز

في الخلاصة، هناك بعض معايير يمكن على أساسها أن نميّز ما هو من العلم الحقيقي وما هو من العلم الزائف أو من شبه العلوم، مرتكزين على المنهجية العلمية وتعليم الكنيسة المقدّسة. نذكر منها:

تعاليم باطنية وخفائية كالإدّعاء أنّ للإنسان أجساماً باطنية ومراكز وقنوات للطاقة أو قدرات فائقة للطبيعة ولامحدودة وحدْساً وحواساً باطنية وما شابه أو لها علاقة بالبارابسيكولوجيا كالإدراك ما فوق الحسي والمعرفة المسبقة والتنبّؤ والطاقات الخفية اللامحدودة الكامنة الخ.

تعاليم عن الطاقة الكونية الإيجابية والسلبية، وقطبين لها (ين ويانغ) وقانون الجذب والتأثير بالفكر وقدرة العقل على التأثير على الآخرين والتواصل والشفاء الذاتي.

الإستعانة بتقنيات التأمّل من الشرق الأقصى والتكلّم عن علوم اليوغا والتأمّل بمسمّيات عصرية كتأمّل الوعي الكامل Mindfulness وعلوم الطاقة كالريكي والبرانيك هيلينغ والفانغ شوي أو علاجات بديلة من تيّار العصر الجديد مثل المعالجة بخط الزمن، العلاج بالحيوات السابقة، إعادة الولادة، أسلوب سيلفا، البرمجة اللغوية العصبية، علم النفس عبر الشخصي Transpersonal psychology، علم النفس الإيجابي positive psychology، علم النفس المتكامل Integrative وغيرها من البدائل الطبية الكليانية Holistic Alternative Medicines .

التكلّم عن “وعيٍ كوكبي” (محوره كوكب الأرض ككائن حيّ) أو عن “وعي جماعي” يمكن الإرتقاء به من خلال نخبة قليلة من الروّاد إلى إنسانية أفضل أو عن “ذاكرة كونية” وإمكانية التواصل معها والتشجيع على التواصل مع كائنات روحية غير منظورة من أجل الإسترشاد أو اتباع تعاليم غورو ومعّلمين من الشرق الأقصى.

إطلاق وعود وشعارات رنّانة هي أشبه بالخيال العلمي وهي لا تمتّ إلى العلم الحقيقي بصلة. تشبه إلى حدٍّ كبير وعود البدع الألفية واليوفولوجيةUfologic وغيرها من البدع المعاصرة.

الاستغلال المادي والتشجيع على الإنتهازية والنفعية والسيطرة على الأشخاص وعلى محورية الأنا والرفاهية والمصلحة الشخصية على حساب الأخلاقيات والمصلحة المشتركة.

-إلغاء كلّ مرجعية إلهية وتهميش الحق الإنجيلي والقيم الإنجيلية وعمل النعمة، وتطوير نمط من الرؤية “النسبوية” في كلّ شيء.

قصور هذه التقنيات ومحدوديتها

في تقنيات التنمية البشرية رؤية قاصرة للإنسان، لأنها تُلغي البُعد الإلهي والتدبير الخلاصي الذي كشفه لنا الوحي الإلهي. ينتج عن ذلك تفاسيرُ نفسية مغلوطة للأسباب وتشويهٌ للحقيقة: إنّ جذر كلّ المشكلات البشرية هو في الخطيئة التي تفصلنا عن الله. والحلّ الوحيد هو بالرجوع إلى الله الآب بالابن يسوع المسيح في الروح القدس، أي بالتوبة القلبية الصادقة في قلب الكنيسة الجامعة المقدّسة الرسولية.

نقرأ في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية أنّ حقيقة الخطيئة “لا تتّضح إلّا على نور الوحي الإلهي. فبدون المعرفة التي يعطيناها الله لا يمكن معرفة الخطيئة معرفة واضحة فنكون معرّضين لتفسيرها على أنّها نقص في النموّ فقط، ضعفٌ نفسي، ضلال، نتيجة حتمية، لبنية إجتماعية غير ملائمة، الخ. ففي معرفة قصد الله بالنسبة إلى الإنسان فقط تفهم الخطيئة على أنها سوء استعمال للحرية التي يمنحها الله للأشخاص المخلوقين، لكي يتمكّنوا من محبّته ومن محبّة بعضهم البعض” (بند387)

نلفت أخيرًا إلى إنّ الإشكاليات العديدة التي تطرحها برامج وتقنيات التنمية البشرية، ليست فقط بسبب تسلّل التعاليم الغريبة إليها بوحيٍ من تيّار العصر الجديد، لكن بسبب إمكانية جنوح بعض هذه التقنيات صوب إنحرافاتٍ أخرى تشبه الغنوصية والبلاجيانية وما شابهها، وقد حذّر منها قداسة البابا فرنسيس في عدّة مناسبات سنتطرّق إليها في المقالات المقبلة، إن شاء الله .

لمجد المسيح

يتبع…

[1] كما نشأت جماعات أخرى حكومية وغير حكومية مثل: CICNS, GEMPPI, UNADFI,…

لمعرفة المزيد مراجعة كتاب: حقيقة البدائل الطبية بحسب تعليم الكنيسة، جيزل فرح طربيه. وكتاب: الطب البديل من وجهة نظر الإيمان المسيحي، جيزل فرح طربيه، دار المشرق

Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير