نُقل عن إسحق السرياني، الأسقف القديس وعالم اللاهوت الشهير من القرن السابع، قوله أن الشخص المتواضع تنبعث منه رائحة خاصة يشعر بها الآخرون، وحتى الحيوانات تلتقطها، فعندها لا تؤذي هذا الشخص أبدًا و إن كانت برية.
و يوضح القديس: ” أن في تواضع القلب ما يستعيد رائحة السماء، حيث ينتفي شعور الخوف والقلق وأي إحساس للمرء بأنه محكوم عليه. هذا السلام الذي ينبعث من المتواضع يطال حتى الحيوانات، لذا ينجذبون حوله.”
لا ندري إذا كانت المقاربة هذه، مجرد قصة أم هي إستعارة حقيقية غنية قام بها القديس … ولكن في الحالتين تحمل المعاني الجميلة.
و للمفارقة أن كلمة (تواضع humility = humus) في جذورها اللاتينية، تعني التربة أو الأرض.
و هنا أيضاً تكمن معانٍ جميلة.
فالمتواضع هو كائن (رجليه على الأرض) كما نقول في العامية. يعلم أنه من التراب مأخوذ، مخلوق و ليس خالق.
نتوقف عند هاتين المقاربتين في هذه الأيام التي نذكر فيها فرنسيس الأسيزي القديس الذي عُرف بصداقته مع كل المخلوقات من بشر و حيوانات من مختلف الفئات.
فرنسيس حمل بتواضعه رائحة التراب وعطر السماوات… لم يعلي ذاته على الخالق و لكن في الوقت ذاته لم يجرح صورة الخالق المطبوعة في الذات.
ففي كثيرٍ من الأحيان ، يختلط علينا معنى التواضع و يصبح مرادف لصورة مجروحة عن الذات حيث التحفظ مفرط ،و الإنطوائية مرافقة مع نوع من البارانويا . نظن أن المتواضع هو الذي لا يرى في نفسه إلا الرذائل. و لكن المتواضع الحقيقي لا ينكر موهبته كما إنه لا ينكر خطيئته. و فيما يتحمل مسؤولية أخطائه و يحاول إصلاحها, يشكر الله على مواهبه و في الخير يستثمرها.
هكذا كان فرنسيس: عليه أمطر الله المواهب فزاد إتضاعاً وعلى الأرض عملاً كما صلاةً… اليوم نصلي كي تنبعث منا، على مثاله، رائحة التراب المبلل بالنعمة الممزوج بعطر السماء … علّنا نحوّل أرضنا جنّة.