“توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت”( أم 14/ 12)
مدام بلافاتسكي والعقيدة السريّة
أخذ تيّار العصر الجديد الذي يتميّز بالإنتقائية syncretism من ديانات الشرق الأقصى ومن ممارسات وثنية قديمة ومن تيّارت فكرية عديدة. كما أخذ خصوصًا عن الجمعية التيوزوفية وإيزوتيريكية “رينيه غينون”René Guénon وأيضًا من تيّار الفكر الجديدNew Though Movement .
تُعتبر هيلينا بيتروفنا بلافاتسكيHelena Petrovna Blavatsky(1831-1891) مؤسّسة الجمعية التيوزوفية، ملهمة وأمّ التيار العصر الجديد. من أهم ّكتبها العقيدة السريةLa Doctrine secrète استوحتها من البوذية والهندوسية في الفترة التي عاشت فيها في الهند. مارست الأرواحية وتواصلت مع كائنات روحية عليا سمّتها “المعلمّون غير المرئيين” الذين أعطوها، بحسب ادّعائها، عقائد التيوزوفية مكتوبة بشكل رسائل. فظهرت في الغرب لأولّ مرة مصطلحاتٌ مثل المانترا، اليوغا، الكارما، التقمّص … هذا الإدّعاء نفاه الباحث كولمان W.E. Coleman قائلاً أنّ ماورد في كتاب بلافاتسكي Isis dévoilée مقاطع منقولة من الأدب الباطني الذي كان موجودًا في تلك الحقبة من الزمن. كما فضحت كلّ ممارساتها المشبوهة وكلّ حيلها، جمعية ٌكانت تهتمّ بظاهرة الأرواحية وهي “جمعية البحث الفيزيائي”SPR- Society for Physical Research سنة 1885. كذلك انتقدها الإيزوتيريكي “رينيه غينون”René Guénon في كتابه: “التيوزوفية، قصّة ديانة كاذبة” وروّج بالمقابل لتعاليمه الباطنية الخاصة به. بالرغم من ذلك استمرّت الجمعية التيوزوفية بعد وفاة مؤسّستها، مع “أنّي بيزان” Annie Besant(1847-1933) التي قدّمت مراهقًا هندوسياً اسمه “كريشنامورتي” وزعمت أنّه المسيح المنتظر. ادّعت “بيزان” كسابقتها بلافاتسكي، أنّها تتواصل مع أسياد روحيين غير مرئيين، لا يزالون حتى اليوم مرجعاً مهمًا لروّاد العصر الجديد. ومن بعدها أليس بايليAlice Bailey(1880-1949) التي أسّست “لوسيفر تراست” وكتبت في “عودة المسيح” سنة 1948: “الشيء المهم هو حقيقة العبور إلى عصر جديد”.
يمكن اختصار تعاليم التيوزوفية بأنّ هناك حقيقة واحدة غير موصوفة هي الفراغ ، هي روح عليا كونية، أو وعي كوني هو أصل الوجود والحركة والحياة ومبدأ تنبثق منه كلّ الكائنات وشرارات النفوس. يمكن للإنسان بواسطة ممارسة اليوغا التوّصل إلى الإستنارة، كما أنّ هناك قانونًا للعدل الإلهي، هو قانون الكارما يسوس الكون ويدين بواسطته كلّ شخص ذاته.
من بعض أهدافها: خلق نواة أساسية لأخوّة عالمية بدون تمييز عرقي أو ديني أو لون الخ، تشجيع دراسة الديانات المقارنة والعلوم والفلسفات، دراسة قوانين الطبيعة والقوى الخفيّة في الإنسان.
لوسيفر الإله المعبود!
في الحقيقة، لقد أزالت التيوزوفية الروح الشيطانية عن الظواهر الأرواحية وألبستها لباس العلوم. وجعلت من لوسيفر إلهًا معبودًا. ” في عقيدتها التيوزوفية إجتهدت بلافاتسكي في خلط تعاليم الديانات الوثنية المختلفة لتخلق لها تعاليم جديدة حول الله والشيطان و الدينونة والجنّة وجهنّم ملهمةً وممهدّةً بهذه الطريقة، ظهور”العصر الجديد” بحلّته الشيطانية المبّطنة والعصرية ! في كتابها “العقيدة السرية”[1] تقول “هيلينا بلافاتسكي” أمّ حركة العصر الجديد وأمّ الروحانية الوثنية المعاصرة، بكلّ صراحة: “إبليس ، عدوّ الله، هو في الحقيقة أسمى روحٍ إلهي !” وهي بكلّ وقاحة، ٍتمدحه علنًا في الجزء الثاني من كتابها، وأكثر من مئة مرة، قائلةً إنه الإله الحقيقي وحده ومخلّص البشرية!
وتقول أيضًا” إبليس هو الكروبيم الممسوح قديماً. الله خلق إبليس الأكثر جمالًا والأكثر حكمةً من بين جميع مخلوقاته في هذا الجانب من الكون وجعله أميرًا لهذا العالم ولقوى الهواء … وهكذا بما أنّ إبليس هو كامل في الجمال والحكمة, مملكته الشاسعة هي كوكبنا إذا لم تكن المجموعة الشمسية بأكملها !”[2]
وتؤكّد قائلةً:”يمثّل إبليس الحياة الفكر التقدّم الحضارة الحرية الاستقلال”…” إبليس إله كوكبنا والإله الوحيد !”[3] “فمن الطبيعي أن نرى إبليس، الحيّة القديمة في سفر التكوين، على أنّه الخالق الحقيقي والواهب النعم أب البشرية الروحية!”[4]
“لوسيفر هو نورٌ أرضي و إلهي، الشبح المقدّس، هو الشيطان في الوقت نفسه !”[5] هو الإله الشمس وفي الكتاب الذهبي للتيوزوفية، تصرّح أنّ التيوزوفية تتعارض مع كلّ أشكال اللاهوت العقائدي، وخصوصًا اللاهوت المسيحي لأنه قانون خبيث!
يؤكّد ج. غوردن ملتون J. Gordon Melton (1942-..) الباحث في الروحانيات الجديدة، أنّ تأثير تعاليم التيوزوفية في العصر الجديد يفوق كلّ تأثير لتيّار آخر.كما يعتبر أنّ مدام بلافاتسكي هي بامتياز مؤسّسة الفكر الخفائي المعاصر، التي روّجت لتعابير ومصطلحات إستعملها العصر الجديد بعد قرن من الزمن[6] بالفعل بلافاتسكي هي التي أسّست لمواضيع العصر الجديد على تنوّعها وهي التي روّجت لمصطلحات مثل: المعلّمين المتنوّرين، الميتولوجيا القديمة، الهندوسية، الصوفية، البوذية، التنجيم، الأجساد الباطنية ، الشاكرات، الهالة النورانية، الكابالا وغيرها”[7]
بالفعل لقد أسّست هذه الروحانيات الجديدة لتيّار العصر الجديد ولكلّ ممارساتها بما فيها تقنيات التنمية البشرية. واستوحت أغلبَ تعاليمها من فلاسفة وقادة روحيين شرقيين وغربيين، أخذوا بشكلٍ كبير عن معتقدات وثنية وحضارات قديمة آمنت بوحدة الوجود وأزلية المادة، كما ألّهت قوى الطبيعة ومارست السحر والشعوذة والرقى والتعاويذ ومخاطبة أرواح الموتى.
لمجد المسيح!
(يتبع)
[1] The secret doctrine, Vol 2, p 377
[2] Helena Blavatsky. The Secret Doctrine, vol 2, p 229
[3] Helena Blavatsky. The secret doctrine, vol 2, p334
[4] Helena Blavatsky. The Secret Doctrine, vol 2, p 243
[5] Helena Blavatsky. The Secret Doctrine, vol 2, p 513
[6] Gordon Morton, New Age encyclopedia p 458-491, 1990
[7] تيار العصر الجديد من وجهة نظر الايمان المسيحي، جيزل فرح طربيه، دار المشرق، ص459-461