غالبيّة الأديان مارست الصَّوم. إنّه حالة تعبيريّة ورمزيّة ووسيلة من أجل تحقيق بعض الأهداف السَّامية والمُقدّسة. ينطلق الصَّوم من إرادة قويّة ونيّة حَسَنة، ويحقّق ثمار ونتائج إيجابيّة وفاعلة، تُترجم من خلال الصِّحة الروحيّة والنَّفسيّة، وتطبيق الأعمال الحَسَنة، والرَّحمة والعدل والمحبّة، والتَّسامح والمُسامحة.
نَستَشفّ من حياة شعب الله في العهد القديم، أنّ الصَّوم هو التزام وعلامة لتمسّكه بالله، وتعبير عن خضوعه لمشيئته وسلطانه. أمّا في العهد الجديد، فتعزّزت حالة الصَّوم واتّخذ مكانًا هامًّا في الإيمان المسيحيّ، وفي حياة المؤمن بالمسيح المُخلّص، واهب الرَّجاء بالخلاص، بالرُّغم من إنغماس الإنسان بالخطيئة.
أَليسَ الانسان بحاجة في الظروف الصَّعبة والقاسية، أن يصوم طلبًا لاستجابة واهب العطايا ولا سيّما الرَّجاء؟ “ثمّ سار الرُّوح بيسوع إلى البريّة ليجرّبه إبليس. فصام أربعين يومًا وأربعين ليلة” (متّى 4: 1-2). أَليسَ الإنسان بحاجةٍ للصَّوم المقرون بالصَّلاة وأعمال المحبّة، تعبيرًا عن توبته وإعلان رجوعه إلى الله والنُّور والحقيقة، طلبًا للمغفرة والرَّحمة؟ أَلا يساعد الصَّوم على التغلّب على الأنانيّة والحقد والبغض والرُّوح الشرّيرة؟ أَلا يساعد الصَّوم المقرون بالصَّلاة والتضرّع، على التغلّب على الحزن والخوف والاكتئاب واليأس؟
ليعمل إنسان هذا العصر، المؤمن بقدرة الله، على طلب المُساعدة من المخلّص الواهب الرَّجاء لكلّ مؤمن. ليركّز الانسان على محبّة وفعل مشيئة الله. ليعترف بضعفه وخطيئته، من خلال الندامة والتَّوبة والصَّوم. ليمتنع الانسان ليس فقط عن المأكل والمَشرب، وإنّما عن ارتكاب المعاصي والوقوع في السَّلبيّات والقنوط، والشكّ بقدرة الرَّبّ الحاملة كلّ الرَّجاء، بتخطّي أغلب الصُّعوبات والعراقيل والمشاكل على أنواعها.
ليهزم الانسان شهوات الجسد وتعلّقه المُستميت بالسُّلطة وحبّ الظهور، والاتّكال فقط على المادّة، والهرب نحو الانفلاش والتخلّي عن تحمّل المسؤوليّة. ليجدّد الانسان الصَّائم روح التَّعزية والسَّلام، والفرح والأمان، والطَّمأنينة، في حياته اليوميّة، بالرُّغم من الأجواء الموبوءة، وأحيانًا “المُقزّزة”. فليضبط الانسان أفكاره السيّئة ولسانه اللاَّذع الَّذي يؤذي مَن حوله أحيانًا.
ليكن صوم الانسان مُدَعَّمًا بالصَّلاة وأعمال الرَّحمة، وبخاصةٍ الرَّجاء الَّذي يقضي على الشكّ والعزلة والتَّشاؤم والتَّفرّد والاحباط. ليكن صوم الإنسان المؤمن فرصةً للرُّجوع إلى أعماق ذاته، كي يستطيع التغلّب على “رتابة” الحياة الدُنيويّة، والتعلّق بها، الَّتي أحيانًا تقتل عنده روح الأخوّة وتستعبده، فيصبح أسيرًا لأهوائه وملذّاته و”لعنجهيّته” و”استعلائه”. أَلا يحرّر الصَّوم الانسان من كلّ هذه العوائق، الَّتي تمنع الدُّخول إلى ملكوت الله؟
ليتحوّل ويتبدّل الإنسان المُتمسِّك “بقناعات” خاطئة، وتصرّفات سيّئة ونوايا خبيثة، بفعل عمل الصِّيام والإيمان والمحبّة. “هذا الجِنسُ من الشياطين لا يُطرَدُ إلاّ بالصَّلاة والصَّوم” (متّى 17: 21).
ليكن صومنا طريقًا نحو العيش بالرَّجاء.
لنكن أصحاب الرَّجاء.