بالنسبة للعديد من المسيحيين، سيكون عيد الفصح هذا العام مختلفاً بشكل كبير، لا احتفالات، الكنائس فارغة وبث القداس سيكون عبر المواقع الإلكترونية. في حين أن عيد الفصح هو مناسبة احتفالية وروحية وقصة فرح للمسيحيين، فلا خلاص دون إيمان راسخ بقيامة ربنا يسوع المسيح، ولكن هناك رؤية لاهوتية يمكن استخلاصها في هذه الظروف، فقد سلك معظمنا طريق الآلام مع يسوع، طريق الألم والمعاناة مع الناس، وقد تكون هذه المعاناة فرصة نكتشف من خلالها ما يعنيه أن يكون الشخص مؤمناً، وأن الوضع الحالي لا يلغي الفرح الذي منحنا إياه يسوع في القيامة، لكنه سيتواجد هذا العام بطرق مختلفة.
الأسبوع المقدس وعيد الفصح سيتيح لنا فرصاً للتفكير، فبين موت يسوع المسيح وقيامته نستكشف من نحن وعلاقتنا بالله الذي يحبنا، وندرك أن كل شيء لدينا هو نعمه، وأننا نحن البشر على عكس الله ليس لدينا الإجابات دائماً، فعندما قام يسوع من بين الأموات هزم الخطيئة والعار ومنحنا حياة جديدة، بقيامته أعطانا حياة وأملاً جديدين، لذلك حتى في أصعب الأوقات يمكننا أن نجد أن الأمل، حتى في معاناتنا الإنسانية هناك دائماً أمل، في جميع الصراعات والمآسي، هناك لحظات من النعمة في علاقتنا بالله، علاقتنا مع أفراد الأسرة وعلاقتنا مع الناس.
وهذه اللحظة تقدم فرصة رائعة لإعادة التفكير في كل شيء اعتقدنا أننا نعرفه عن كيفية بناء علاقات مع الله ومع بعضنا البعض، ما زلنا مدعوون لخدمة أخوتنا داخل الكنيسة وخارجها، ولرعاية الضعفاء، إن رسالتنا المسيحية لا تزال تضعنا في صميم المجتمع بل وفي الحياة العامة.
في هذه الأوقات، عندما يتعذر الاحتفال بقيامة المسيح في مباني كنيستنا، لدينا الفرصة للاحتفال في البيت، فكل بيت هو كنيسة صغيرة، وكل محاولة لاستخدام التكنولوجيا من أجل التنشئة الروحية هي تعبير جميل عن الحقيقة الروحية أن الله يمكن أن يظهر بأكثر الطرق غير المتوقعة، يمكننا أن نكتشف كيف أن ما نشهده الآن يساهم في رحلتنا المستمرة مع الله، حيث تقدم لنا البيوت التي نجد أنفسنا فيها الآن بشكل أساسي مكاناً يُمكّننا من اكتشاف إيماننا من جديد، والعثور على الكنيسة في داخلنا، وفي الأمل المتجدد الذي سيأتي من تذكر قصة خلاصنا.
ستكون الكنائس فارغة في هذه الأسابيع ولكن كل ذلك لا يعني إلغاء عيد الفصح لهذا العام، فمن المذهل كيف يجد الناس طرقاً مبتكرة لمواصلة الاحتفال والتواصل مع عائلاتهم وأحبائهم خلال هذا الوقت وعلى الرغم من جميع الحواجز، حيث رأينا صوراً تدخل الفرح والبهجة على النفس لعائلات تركع مجتمعة في وقت القداس الإلهي، رأينا بيوتاً مزينة بأغصان الزيتون في عيد الشعانين، ورأينا الشموع تضاء على الشبابيك، رأينا المحبة والأمل، فالكنيسة لم تكن يوماً بناء من حجر بل كانت دائماً بناءً من بشر والآن نعيش ذلك، عشنا خبرة التكاتف الاجتماعي وتقديم صومنا صدقة للآخرين لمساندة الأقل حظاً في هذه الفترة، فكثرت التبرعات المادية والعينية، وتُرجمت محبة الله من خلال محبة الإنسانية ومحبة القريب.
حتى في خضم الأوقات المليئة بالخوف عندما نشعر أننا في خطر شديد، ونلتزم بيوتنا، سنستمر في رعاية العمل الروحي لهذه اللحظة وفي كل لحظة، والسماح للإيمان بتغيير حياتنا للأفضل، إن ممارسة الشركة الروحية هي تقليد قديم العهد في الكنيسة، نأمل أن يجعلنا هذا الحرمان المؤقت من الشركة نُقدر بشكل أكبر الهبة العظيمة التي قدمها لنا الرب، فمثل هذه الأحداث تُذكرنا بالحاجة الملحة إلى الله، قد لا تكون حياتنا الروحية المنتظمة ممكنة، ولكن في الواقع، قد تزيد روحانيتنا خلال هذه الأزمة لأن لدينا المزيد من الوقت المتاح كل يوم، تذكر أن الوقت هو هبة الله العظيمة لنا، وعلينا أن نعطي بعض وقتنا إلى الله كل يوم لإثراء أنفسنا روحياً، وأن نتذكر أن جوهر الصوم الكبير هو إعداد أنفسنا لعيد الفصح، لقيامة السيد المسيح.
رأينا أن الكنيسة لطالما كانت ملجأً ومكاناً للعزاء، يحدونا الأمل في أن نتكاتف ونصبح العمود الفقري الروحي لكنيستنا ووطننا، علينا جميعاً أن ننظر إلى الأمور في منظورها الصحيح ولدينا الإيمان والشجاعة للقيام بما يبدو صعباً للغاية في عزل أنفسنا عن الآخرين من أجل الصالح العام، فكيف يمكن للحب أن ينتصر على الموت إذا أصررنا على التقارب في خضم هذه الجائحة، إن عدم استعدادنا للقاء ليس علامة ضعف، بل هو شاهد على إيماننا، وكلنا أمل أن يختبر جميع المؤمنين فرحة عيد الفصح الحقيقية، قال البابا فرنسيس في عظته عشية عيد الفصح “إن الظلمة والموت لا يملكان الكلمة الأخيرة، تشجّع لأن مع الله لا شيء يُفقد!” عيد الفصح سيعود مرة أخرى ليذكرنا بأن الحياة ستستمر وأن الحب دائماً أكبر من الخوف.