تعتبر جائحة كورونا أكبر أزمة عالمية تواجهها البشرية في هذا القرن، وتتزايد التساؤلات ماذا بعد هذه الأزمة؟ أين سنكون بعد ستة أشهر، سنة، عشر سنوات من الآن؟ أي نوع من العالم سنعيش فيه بمجرد مرور العاصفة، نعم، ستمر هذه العاصفة، وهذه الجائحة ستنتهي في نهاية المطاف لكن الخيارات التي نتخذها الآن يمكن أن تغير حياتنا لسنوات قادمة.
لقد قلبت هذه الأزمة الحياة رأساً على عقب، ومن المؤكد أن هذا الوباء سيغير العالم إلى الأبد فعلاوة على الخسائر البشرية المأساوية في العالم وتعطل الأسواق، فإنه سيؤدي إلى تحولات دائمة في القوة السياسية والاقتصادية والثقافية بطرق لن تظهر إلا لاحقاً.
أعتقد أننا يمكن أن نفهم وضعنا وما قد يكمن في مستقبلنا من خلال النظر في الاقتصاد السياسي للأزمات الأخرى، فالعالم بحاجة إلى نوع مختلف تماماً من الاقتصاديات إذا أردنا بناء مستقبل عادل اجتماعياً وسليم بيئياً، لذلك نأمل أن نستخدم هذه الأزمة لإعادة البناء، وإنتاج شيء أفضل وأكثر إنسانية.
فعندما لا تسير الأمور بالطريقة التي نريدها عندئذ علينا قبول صعوبات الحياة من خلال تحويلها إلى فرص، يمكن لهذه الرؤى أن تفتح فرصاً لإعادة التفكير بشكل خلاق وإلى إعادة تشكيل الحياة نحو الأفضل ولاستكشاف طرق بديلة لإثراء المستقبل، وربما يمثل هذا الفيروس الصفحة الفارغة لبداية جديدة وربما يكون المنعطف وصانع التغيير في العالم الذي لا يرحم.
حيث يبدو أن كورونا قد نشط القيم الإنسانية الغافلة كالحاجة لرعاية المسنين والأطفال، وإلى بناء مستشفيات، وإلى الاستثمار في أبحاث الرعاية الصحية أكثر من الترفيه، وإلى الحفاظ على الطبيعة أكثر من التدمير، وإلى إحساسنا بالواجب واهتمامنا بالجار وإلى الحاجة إلى عزل أنفسنا لحماية الآخرين وإلى تقدير النعم التي بين أيدينا.
ومع أن لحظات الأزمة قد فرضت تباعداً اجتماعياً إلا أنها قد أنتجت قرباً جديداً، فما زالت لدينا قدرة غير محدودة على التواصل مع بعضنا البعض، إن هذا الفيروس الذي يبقينا في بيوتنا يعيد بالفعل توجيه علاقتنا مع العالم الخارجي، لذلك وجدنا أنفسنا قد انتقلنا من التجارب الحقيقية نحو رقمنة التجارب الإنسانية.
جميعنا يحمل حنيناً لعالم مليء بالازدحام ولكننا بتنا نعلم الآن أن لمس الأشياء، والتواجد مع أشخاص آخرين في مساحة مغلقة يمكن أن يكون محفوفاً بالمخاطر، لقد بتنا نعلم أن مكافحة هذا الفيروس لا يمكن أن يتم بكفاءة على المستوى الفردي، ولكن فقط كمجتمع.
لقد كافح العديد للتخفيف من هذه الأزمة بشكل مميز وبكل جدية وكانوا المثال على قوة الروح الإنسانية، وسوف نخرج من هذا الوباء بفهم جديد لكيفية عمل حكومتنا والمجتمع، للكوادر الطبية، للأجهزة الأمنية، للقوات المسلحة والمواطنين الذين يظهرون المرونة والفعالية والقيادة.
ربما يعيد العالم بعد هذه الجائحة تعريف ما هي الحياة، وما هي البيئة وما هي تكلفة تلوثها، وفي نهاية المطاف سوف يعيد تعريف مصطلح الحياة أغلى من المال.
كل أزمة عميقة تترك قصة، رواية تشير بعيداً إلى المستقبل، قريباً سنكسب المعركة ضد الفيروس، ستمر العاصفة، وستبقى البشرية على قيد الحياة وستجد القوة للتعافي، لكننا سنعيش في عالم مختلف تماماً عن العالم الذي كنا نعيش فيه قبل بدء الوباء، ستتغير القيم، ستتغير حياتنا وعاداتنا وحتى تفكيرنا.