في خضم أزمة عالمية اجتاحت العالم وأوقفت الحياة العامة في معظم مساراتها ومع استمرار تطور البيئة التعليمية وتبني التكنولوجيات الحديثة، كان البحث عن حلول مبتكرة تُمكّن المدارس من الاستمرار في العملية التعليمية التعلمية في فترة قصيرة نسبياً ضرورة ملحة، وحيث أن إستراتيجية “التعليم عن بُعد” تُعد بديلاً مسانداً لتوفير بيئة مرنة للعمل، وبيئة آمنة لضمان صحة الطلاب ومعلميهم على حدٍ سواء في مواجهة جائحة كورونا، فقد كان البديل الذي تبنته وزارة التربية والتعليم بالفعل.
سنناقش في هذا المقال بعض المشاهدات الايجابية والملاحظات التي تؤثر في جودة “التعليم عن بُعد”:
- يُعد هذا التغيير في المسيرة التعليمية والانتقال من التعليم التقليدي نحو “التّعليم عن بعد” بإيجابياته وسلبياته نقلة نوعية في مدارسنا، وحافزاً لفتح الآفاق وتحويل التحديات إلى فرص جديدة في آلية التّعليم المستقبلي.
- لمسنا التزاماً حقيقياً من قبل مدراء المدارس، المربين والطلاب في سعيهم لضمان ديمومة واستمرارية التعليم فكثفوا الجهود ليلاً نهاراً وتمكنوا من مواصلة رحلتهم التعليمية بكل تميز وإبداع.
- لاحظنا زيادة في الوعي وفي مستوى تحمّل المسؤولية الذاتية لدى بعض الطلبة والثقة في التفاعل مع عملية “التعليم عن بُعد”، وبالتالي الكشف عن العديد من المهارات والقدرات التي يمتلكونها.
- لطالما كانت مشاركة أولياء الأمور ضرورية في عملية تعليم الطلاب ونجاحهم، ولكن مع إستراتيجية “التعليم عن بُعد” اتخذت هذه المشاركة معنى جديداً تماماً حيث لاحظنا جهداً واضحاً وتحملاً للمزيد من المسؤولية من قبل العديد من أولياء الأمور في متابعة دراسة أبنائهم والتواصل مع المعلمين للبحث عن أفضل السبل لتوجيههم ودعمهم.
- التعاون الحثيث بين وزارة التربية والتعليم وشركات الاتصالات بحيث أتاحت هذه الشركات تصفحاً مجانياً عبر شبكاتها لمنصة “درسك” إضافة إلى العمل على توفير إنترنت أكثر جودة وذلك دعماً لمنظومة “التعليم عن بُعد”.
مع هذا البُعد الإيجابي لبعض المشاهدات والتي تعكس روح الإبداع في عملية “التعليم عن بُعد”، أرغب بطرح بعض الملاحظات (متمنياً أن أكون مُخطئاً في رؤيتي ومعلوماتي):
- لاحظنا عبر العديد من المنصات وحتى من خلال بث الدروس المتلفزة أن التركيز انصب على المواد التّعليمية الأساسية بينما افتقرت هذه المرحلة إلى لقاء بين المرشد التّربوي والطّلبة وأولياء أمورهم، لقاء يهدف إلى نشر التوعية من أجل اكتساب مهارات حياتية جديدة تهيئهم للتعامل مع هذه التجربة مثل كيفيّة استثمار الوقت، التعامل مع الأهل والإخوة، الإصغاء، الحوار، التّعاون، حلّ المشكلات، الخروج من منطقة الراحة وربما قبل كل شيء القدرة على التكيّف مع أي تحدٍ غير متوقع. فأين نحن من التكامل الفكري والإبداعي للطالب وأين نحن أيضاً من الاهتمام بمتابعة التربية المهنية، التربية الفنية والنّشاطات التي تحفز قدرات الطلبة الابتكاريه؟.
- تساؤلات عديدة لدى المعلمين حول تخفيض الرواتب بعد شهر نيسان وبداية أيار، في الوقت الذي ما زالوا يواصلون فيه مسيرتهم في التعليم عن بُعد ويبذلون الكثير من الجهد والوقت لمساعدة الطلبة، وهنا لا بدّ من تحليل الواقع بمصداقية، وتقديم مبادرات جريئة وصادقة.
- لعب العديد من أولياء الأمور دور الداعم الرئيسي لاستمرار سَير العملية التعليمية التعلمية بكل نزاهة ومصداقية وفي تهيئة بيئة دراسية ملائمة لأبنائهم، ولكن للأسف فإنّ عدداً أخر لم يكن كذلك، فقام البعض بحلّ الواجبات والبعض الأخر تقدم للاختبار بدلاً من الطالب، غير مدركين أنهم مدعوين في كل الظروف ليكونوا القدوة الصالحة لأبنائهم، يحثّونهم باستمرار على النمو في الالتزام والصّدق والأمانة، لذلك فلن يكون من السهل ضبط هذه السلوكيات السلبية أو تقييم الطالب بشكل عادل، وهنا يأتي دور المعلم والمدير لتقييم النتائج على ضوء الاختبارات السابقة. أضف إلى ذلك أهمية دور الإرشاد التربوي في توعية الأهل تجنباً للانزلاق في هذا الضّعف.
أخيراً، أذكركم أننا نرغب في تجاوز التعليم البنكي والتلقيني والتقليدي، العمل والتعليم عن بعد هي واحدة من أعظم التحولات في التاريخ الحديث، وأزمة كورونا هي فرصة للانتقال إلى تعليم تفاعلي وتشاركي، ونقله من تعليم العقل والحفظ، إلى تعلّم للعقل والقلب، وتحويل التّحدي إلى فرصة، وإيجاد آليات جديدة لتحفيز الطلبة على النّقد البنّاء، والتّفكير والإبداع والاختراع، والبحث من خلال مجموعات عمل، لبناء المجتمع، لحياة أفضل وللخروج أقوى من هذه التجربة. يقول باولو كويلو “التعليم هو أن تُظهر للآخر ما هو قادر عليه، والتعلُّم هو جعل هذا ممكناً”.