Nature, champ de fleurs, biodiversité de l'environnement © Wikimedia Commons - G. Brändle, Agroscope

بيئتُنا مصيرُنا

اليوم العالميّ للبيئة

Share this Entry
  • ماذا فعل ويفعل!

يحتاج الإنسان إلى الأعياد والمناسبات، والأحداث المميّزة، والأيّام العالميّة، كي يتذكّر ويتفاعل ويُحيي الأوقات الجميلة والمهمّة في حياته اليوميّة. يحتفل العالم في الخامس من شهر حزيران باليوم العالميّ للبيئة. هل “نُحافظ” شكليًا على الاحتفاليّة، أَم أنّه إعلان عن ترنّح وانقراض البيئة، وهدمها وتشويهها من قِبَل الإنسان؟ هل يُدرك ويعي إنسان هذا العصر، ماذا فعلَ ويفعل بمخلوقات الله، مصدر حياته، وسبب استمراريّته على كوكب الأرض؟

يُنذر علماء وخبراء وأنصار البيئة، بأخطار مُحدقة تطاول الكرة الأرضيّة، لا سيّما الموارد الطَّبيعيّة والكائنات الحيَّة، بخطر الزوال إذا بقيَ التَّعدّي المُستمرّ والتّشويه المُبرح والهَدم المُمَنهج لعطايا البيئة؛ كذلك إذا بقيت معدّلات الاستهلاك الفاحش والانفاق المتهوّر، مُستندةً إلى أساليب غير مدروسة، ومفاهيم غير منطقيّة، ومبادئ خاطئة وغير عمليّة، مشوّهةً ومحطّمةً بذلك فكرة الخالق السّامية، وإبداعاته الكثيرة والمتعدّدة، وهدفه السَّامي الجليل، من أجل استمراريّة الحياة على أنواعها، ومشروعه على الأرض، من خلال الانسان.

  • حياةٌ كاملة وآمنة؟

أينَ إنسان اليوم من “حياة كاملة آمنة”؟ أَلَم يدمّر بعض عناصر البيئة الطَّبيعيّة والبيولوجيّة؟ أَلَم يحطّم ويُربك ويشنّع البيئة الاجتماعيّة، أيّ النُّظُم الاجتماعيّة؟

بالرُّغم من الاختراعات المتطوّرة والتِّكنولوجيا الحديثة، والازدهار الصِّناعيّ والتقدّم العلميّ والنموّ الاقتصاديّ، لم يفهم الانسان، لا بل لا يريد أن يفهم البيئة فهمًا واقعيًّا وعلميًّا وصحيحًا؛ بكلّ تفاعلاتها وأهميّتها، وعناصرها ومقوّماتها، وضرورتها، لاستمرار الحياة كما أرادها الخالق، لينعَم (الانسان) بها. أَلا يُطلب منه اليوم القيام بعمل جماعيّ جادّ لحماية النِّظام البيئيّ من الاندثار والتلف والفساد؟ إنّه يملك المؤهّلات العلميّة والمقدرات التقنيّة والحسّ الأخلاقيّ والانسانيّ، كي يُحدث تغييرًا بيئيًّا إيجابيًّا، دون الاخلال بالنِّظام الطبيعيّ والبيولوجيّ.

لن نتحدّث مطوّلاً عن التلّوث البيئيّ (تلوث المحيطات والبحار، والهواء والتربة…) وأثر الصناعة والتكنولوجيا الحديثة، واعتماد الزِّراعة غير المتوازنة، وقطع الأشجار وغيرها من النِّفايات السَّامة، الَّتي سبّبت مشاكل لطبقة الأوزون، والتغيير المُناخيّ والانحباس الحراريّ ( زيادة حرارة الأرض وذوبان الجليد).

يُقرّ العلماء والخبراء البيئيّين أنّ الانسان يواجه صعاب وتحدّيات جمّة تتمحور حول كيفيّة تأمين مصادر كافية للغذاء مع التزايد السكانيّ، ومشكلة التلوّث الصِّناعيّ القاتل، ومشكلة تراكم النِّفايات المُتعدّدة وكيفيّة التخلّص منها ومعالجتها، ولكن، ليس على حساب صحّة الإنسان وحياته واستمراريّة الحياة على كوكب الأرض. كما يواجه الانسان صعوبة كبرى في التَّعامل مع الكوارث الطَّبيعيّة بسبب التغيّر المُناخيّ.

أَلَم نلاحظ أنّه، وفي ظلّ تفشّي جائحة فيروس “كورونا” Covid 19، اضطّر سكّان الكرة الأرضيّة إلى ملازمة منازلهم، فارتاح كوكب الأرض من التلوّث البيئي، والتأمت طبقة الأوزون، وخفّت نسبة إنبعاثات أوكسيد الكربون من السيّارات والآلات والمصانع، وتراجع التلوّث الناتج عن الضجيج، كما تراجعت أعمال قطع الأشجار العشوائيّ، وتدنّت مؤشّرات تلّوث البحار وحرائق الغابات والنِّفايات وغيرها، بسبب غياب التعدّي المُمَنهج والمُخزيّ للطَّبيعة.

  • حان الوقت

أَلَم يحن الوقت كي يُدرك الانسان أنّ مصيره مرتبط بالتَّوازنات البيولوجيّة والسلاسل الغذائيّة الَّتي تحتويها النُّظُم البيئيّة. يتوجّب على المرء المحافظة على سلامة النُّظُم البيئيّة، الَّتي تؤمّن حياة سليمة ومُستدامة، من خلال إدارة جيّدة وعاقلة وحكيمة لكلّ الموارد الطَّبيعيّة والحيوانيّة والزِّراعيّة، ومكافحة التلوّث على أشكاله المتنوّعة والمؤذية والفتّاكة، الَّتي تقضي على مُجمل عناصر الحياة.

على المرء استنباط الحلول للنهوض من قعر الهاوية، والاعتماد على البيئة، بتطبيق القوانين والعقوبات، من أجل المحافظة على مصيره واستمرار الحياة على أنواعها ضمن بيئة سليمة، لأنّ حياة الانسان مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالبيئة وما تحتويه.

عليه أن يحافظ على التنوّع البيولوجيّ، وحماية بعض الأنواع من الانقراض، ومنع استنزاف الموارد من خلال إعادة التّدوير، والحفاظ على الحياة البريّة، والمحافظة على المساحات الخضراء، وترشيد المياه، وإدارة النِّفايات الصّلبة وغيرها من العوامل الَّتي تساعد على تحسين وتطوير العديد من المجالات: الحفاظ على الصحّة العامّة، تحسين الحياة، تعزيز الطّابع الجماليّ للمجتمع، نموّ الاقتصاد والحدّ من الكوارث الطَّبيعيّة.

فهل أدرك الانسان فعلاً أنّه، وبعد تفشّي عدوّ البشريّة فيروس “كورونا” Covid 19، سيدخل في “أنماط” حياتيّة جديدة ومختلفة؟ وأنّ هناك تداعيّات بمعظمها سلبيّة ومؤذية وقاسية؟ بالتَّأكيد، ظهرت تحوّلات كثيرة وكان بعضها منتظرًا. هل سيصوّب ويصحّح ويجدّد أفكاره وتصرّفاته تجاه البيئة؟ أَم سيبقى متمسِّكًا في مقارباته الخاطئة وحبّ السَّيطرة والاعتداد بالنَّفس؟ هل سيصحو من سباته العميق ويعلم أنّ مصير حياته ووجوده على كوكب الأرض متعلّق به؟

  • نهضةٌ حتمية

استيقظ أيّها الإنسان وتذكّر أنّك “زائر” على هذا الكوكب، وعليك أن تترك عطايا الخالق للأجيال القادمة، لأنّكَ لستَ وحدك سيّد الكون وصاحبه ومالكه.

عُد إلى رشدكَ وتفاعل مع مصيرك بطريقة إيجابيّة، متّكلاً على العلم والمعرفة والقِيَم والأخلاق.

تناغم مع مشروع الخالق، وانقذ حياتكَ، واجعل منها واحةَ سلامٍ مع البيئة، الَّتي تهِب السَّلام.

تراجع عن تسلّطكَ “الغاشم” وتهورك الفاضح وادعاءاتك المزيفة، وابتعد عن إقصاء الآخرين، لتلتئم روح الإنسانيّة الحقيقيّة من جديد، للبحث دومًا وأبدًا، في انقاذ حياة البشر، كما أرادها الخالق للانسان.

أسرع في تغيير مسلككَ وأدائكَ تجاه أخيكَ الانسان والطَّبيعة، وحتّى علاقتكَ بالله الخالق.

حافظ على البيئة، كي تحافظ عليكَ وعلى حياتكَ والعيش بسعادة ممكنة ومعقولة.

لا تجعل مصيركَ مجهولاً، بل حافظ على الحياة، لأنّها أقوى من الموت البطيء.

بيئتُكَ تحدّد مصيركَ ومصيرُكَ مقرونٌ ببيئتكَ.

Share this Entry

الأب د. نجيب بعقليني

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير