خلال فرصة صيفية قضاها في أحد الأديرة الجبلية، يخبر كازانتزاكيس، الكاتب والفيلسوف اليوناني الشهير، في (تقرير إلى غريكو) عن محادثة رائعة أجراها مع راهب مسن، الأب مكاريوس.
* أب مكاريوس، هل ما زلت تتصارع مع الشيطان؟
تنهد الكاهن العجوز وأجاب:
** لا يا بني. لقد كبرت، وهو هرم أيضاً. لم تعد لديه القوة … أنا اليوم أتصارع مع الله .
* مع الله!!! صاح كازانتزاكيس في دهشة. وأنت تأمل في الفوز؟
فأجاب الراهب العجوز:
** آمل أن أخسر، يا بنيّ، لكن لا تزال عظامي معي، وما زالت تقاوم.
أن نصارع الله … أن نقاوم ما يدعونا إليه هو أمر سيئ ولكنه يمكن أن يكون أيضًا شكلًا ناضجًا من أشكال الصلاة.
في مفهوم المصارعة مع الله، ومسيرة نضوج الإيمان والصلاة يقول الأب رولهايزر إنّ الإرادة البشرية لا تنحني بسهولة، ولدى القلب تعقيدات يعرفها الله جيداً ويقدر صدقنا حين نعبّر عنها… حين نصارعه بها!
يتحدث الصوفيون الكلاسيكيون عن أمر يسمونه “الجرأة مع الله”.
وهذه “الجرأة” لا تأتي في بداية الرحلة الروحية، بل أكثر عند تقدمها.
لا نستطيع أن نكون “جريئين” ما لم نكن حميمين في علاقتنا مع الله، كأصدقاء يعرفون بعضهم البعض لفترة طويلة.
هل هنا دعوة للتمرد على الله ؟ قطعاً لا! إنما هنا دعوة أن نكون صادقين مع أنفسنا ومعه و لو بدا الأمر كأننا نصارعه. في الكتاب المقدس نرى أن شخصيات الإيمان العظيم في العادة “تصارع” و تسأل “من أين لي هذا ” قبل أن تعلن “ليكن لي بحسب قولك”. على ما يقول هيشل الإيمان العظيم يبدأ ب ” يا رب ستغيّر مشيئتك” ليصل الى “لتكن مشيئتك”.
في سفر التكوين نقرأ عن حادثة تصارع يعقوب لليلة كاملة مع روح. وفي صباح ذاك اليوم يتبين أن الروح هي الله.
يا لها من أيقونة مثالية للصلاة! الإنسان والإله يتصارعان على تراب هذه الأرض! أليست هذه رقصة الكفاح البشري؟ و لكن الأجمل أن تبقى أمنية ذاك الكاهن العجوز ماثلة أمامنا : (آمل أن أخسر) فبإنتصاره إنكسارنا و في الوقت عينه إنتصارنا!!!