Mariage, Wikimedia Commons © Jason Hutchens/Sydney, Australia

قبل أن تقع في الحبّ، تزوّج

سلسلة مقالات من كتاب لعبة الحبّ للدكتور روبير شعيب

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

إنّ الدعوة التي أوجّهها إليك “قبل أن تقع في الحبّ، تزوّج!” يمكن أن يُساء فهمها بشكل كبير. أنا لا أدعوك إلى ما يُسمَّى “بالتلفزيون الواقعيّ” الذي فيه يتزوّج الناس من غرباء يختارونهم مسبقًا لهم، فنشاهد كيف يعيشون في الحياة الواقعية (أو كيف تسير الأمور بينهم).

أنا أقترح عليك أمرًا أساسيًا. سأقوله بعبارات أخرى، ربما أقلّ حدّة، إنما أوضح: قبل أن تدخل في علاقة مع شخص آخر، عِش حياةً سليمة مع نفسك أوّلاً.

إنّ الاقتراحات التي سأقدّمها لك في هذه السلسة من المقالات، هي ثمرة عمل طويل قمتُ به مع متزوّجين أو خطّاب يرغبون في الاستعداد لعيش الحبّ بطريقة سليمة، إن لأنّهم عاشوا الجحيم في علاقاتهم أو ربما لأنه يرغبون في العيش بشكل أفضل الأسس الأوّلية للحبّ.

تمّ تلخيص هذه النصائح في 10 خطوات نحو تحقيق السعادة بين الزوجين، وقد ذُكرت في كتاب “لعبة الحبّ ” (للدكتور روبير شعيب).

الخطوة الأولى: “تجرّأ على أن تكون نفسك”

يبدو أنّ الأمر الأكثر وضوحًا هو أن تكون أنت وأن ترغب في ذلك، إنما ليس بهذه السهولة. يقول عالم النفس كارل ج. جونغ أنه “في داخلنا يوجد شخص آخر نجهله”. وتفسّر الشاعرة رينر ماريا ريلك لشاب أنّ “العيش، بشكل صحيح، يفرض تحوّلاً في الذات”. وأمّا القديسة تريز الطفل يسوع، ملفانة الكنيسة، فتشرح بدورها أنه لا يوجد “لص أسوأ من أنفسنا”. من هنا، أتت الدعوة، تمامًا مثلما كان الثعلب يخاطب الأمير الصغير: “روّض نفسك”، “روّض وحدتك”.

عبارة “ترويض” ملفتة، مصدرها البيت والعائلة. هناك، نجد لفتة حسن الضيافة، أن نستقبل في البيت (من اللاتينية ad-domus). وعندما نتحدّث عن ترويض النفس، نشير بذلك إلى فعل مصالحة مع الذات الذي يشكّل الوجود الإنساني.

لا يمكن لأحد أن يشعرك بأنك بخير إن لم تشعر أنت بذلك مع نفسك أوّلاً. لذلك، من الضروري أن تتعلّم فنّ الاختلاء مع الذات. إن لم تعرف كيف تكون صالحًا مع نفسك، فأنت لن تستطيع أن تكون صالحًا مع الآخرين. إنّ أسلوبك في التعاطي معهم سيكون علاقة تعلّق بهدف مصلحة معيّنة. إنها وسيلة لتلبية عزلتك المحزنة. سيشعرون بأنهم مستغلّون وأنت ستكتشف أنّ لا أحد هو امتداد أو صدى لنفسك.

إن كان الإنسان هو غير قادر على أن يكون بوحدة حال مع نفسه، فهو لن يفلح في ذلك مع الغير وسيرى في الآخر خشبة خلاص لحياته، ولن يقدّره كفرد بحدّ ذاته. إن لم يتصالح الإنسان مع نفسه، فسيبقى البحث عن الآخر هروبًا من الذات ولن يجد الآخر شخصًا ليلتقيه، بل نفسًا متألّمة وهاربة، تريد أن تخلّص نفسها تتنظر أن يرمقها الآخرون بنظرة محبّة نحو هذه الأنا التي لا تحبّ سوى نفسها.

لا يمكن أن نعيش الحبّ طالما نحن نهرب من ذواتنا، لأنّ “الأمر” الوحيد الذي يهمّ في الحبّ هو بذل الذات. يوجد داخل كلّ واحد منا غرفة. إن لم يجد الإنسان غرفته الداخليّة بشكل جميل ودافىء، فسيتجنّب دخولها ويمضي وقته خارجها. كلّما بقيت الغرفة منغلقة فاحت منها الرائحة النتنة مما يجعل العيش فيها مستحيلاً. وإن أراد الإنسان أن يتخطّى هذا الأمر، فليس عليه إلاّ أن يتحلّى بالشجاعة من خلال كسر الحاجز الأوّل وتحمّل رائحة غرفته حتى يرتّبها جيدًا من الداخل. عليه أن يبدأ في العيش فيها والاعتياد عليها.

الهروب من الذات هو الهروب من الحريّة. وكما يسمّيها إيتي هيلليسوم، إنّ أحد أعظم الاكتشافات المحرّرة للوجود هو اكتشاف “الغرفة الصامتة”. وعندما نكتشفها، تبدأ بحملها معك وفي داخلها تجد عزلة مثمرة. وأحيانًا، تكون اللحظة الأساسية في يومك هي تلك الوقفة الصامتة بين نفسين عميقتين، نعود إليهما بتمضية خمس دقائق بالصلاة. من يريد أن يحبّ يجب أن يتعلّم الصلاة!

يقترن الكثير من الزيجات عن طريق الصدفة وليس نتيجة الاختيار؛ ليس بدافع الحبّ؛ بل خوفًا من الفراغ العاطفيّ للوجود الحقيقي.

يجب أن نمارس فنّ الوحدة مع الذات. وعندما نعجز عن الجلوس مع أنفسنا، نلجأ إلى استخدام الحبّ كمضادّ للاكتئاب ودواء ومهدّىء للأعصاب فيتمّ تشكيل “زيجات غير ناضجة”، أشخاص يهربون من هويّتهم غير الأكيدة ويجدون ملجأً في الحبّ.

ومع ذلك، فإنّ فنّ معرفة صنع الخير مع الذات، يقدّم امتيازًا كبيرًا: القدرة على اختيار من نرغب في العيش معه.

لذا، الركيزة الأولى التي أقدّمها لك، هي عدم البحث عن ذلك في شخص آخر بل في داخلك أنت.

سأسديك نصيحة صغيرة بعد: إنّ الزواج من النفس يحدث في جوّ رائع للإنسان المؤمن وهو يسمى الصلاة. الصلاة لا تكون مجرّد صلاة بل هي الدخول في حضرة الله ورؤية الذات في عيون الله، رؤية النفس بعيونه المُحبّة، والتمكّن من الحبّ وتقبّل الذات بسهولة أكبر. عندئذٍ ستجد أنّ عزلتك /ع ذاتك هي نعمة.

لفتة عملية

جد وقتًا لتجلس مع ذاتك. إنه وقت يسمّى مراجعة الحياة. هي نظرة خيّرة لا تهدف إلى الحكم على الذات بل الاعتراف بها، وأن تكون ممتنًا لها بكونك مؤمن. إنّ الأمر لا يستغرق ساعات، بل  10 دقائق في اليوم والأمر يستحقّ العناء.

***

نقلته من اللغة الإيطاليّة إلى العربيّة – ألين كنعان إيليّا

وكالة زينيت العالميّة

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

د. روبير شعيب

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير