دراسات علمية: الدلائل على فوائد تأمّل الوعي الكامل غير كافية
“كم من مرّة لا نحتفل إلّا بأنفسنا، ولا نعي حتّى وجود المسيح المصلوب! كم من مرة تُخضَع كلمتُه للتشويه وسوء الإستعمال!” البابا بندكتس السادس عشر- نور العالم
نقرأ على موقع CCMM- Centre Roger Ikor– (centre contre les Manipulations Mentales) “مركز التصدّي للتلاعب الفكري”، وهي جمعية غير حكومية لمحاربة الإنتهاكات البدعوية ومساعدة عائلات الضحايا، مقالةً بعنوان: “الدلائل على فوائد تأمّل الوعي الكامل غير كافية” Les Preuves des[1] Bienfaits de la Pleine Conscience jugées Insuffisantes
تضحدُ هذه المقالة المزاعم التي تؤكّد على فوائد وإيجابيات “تأمّل الوعي الكامل” وذلك إستنادًا إلى دراسات قام بها أخصّائيون في هذا المجال. من بينها دراسة دولية تمّت بإدارة عالم النفس العيادي والباحث في العلوم النفسية، “نيكولا فان دام” Nicholas Van Dam من جامعة ملبورن في أستراليا. بالفعل صدرت هذه الدراسة في 10 تشرين الأول 2017 في المجلة العلمية Perspective on Psychological Science، وقّع عليها 15 باحثاً جامعياً مشهود لهم بالكفاءة العلمية، وهي تعيد النظر في مجموعة الدراسات العلمية التي صدرت منذ عشرين سنة حول “تأمّل الوعي الكامل”.[2]
تلاحظ هذه الدراسة بشكلٍ أساسيّ عدّة ثغرات منها: النقص الفادح في الجديّة العلمية، عدم احترام بروتوكول التعمية المزدوجة [3]Protocole en double aveugle، إستعمال صور دماغية دون معنى، الخ. والملاحظ أنّ عنوان هذه الدراسة معبّر: “إحذروا الدعاية الباطلة” Mind the Hype[4] إشارةً إلى الترويج التجاري المفرط لتأمّل الوعي الكامل الذي يتخطّى فوائده الحقيقية.
كذلك أشارت المقالة إلى دراسة تحليلية أخرى سابقة صدرت سنة 2014 ونُشِرت في Journal of American Medical Association وقد استنتجت أنّ نتائج “تأمّل الوعي الكامل” بما يخصّ القلق، الإنهيار العصبيّ والألم، المعبَّر عنها بمصطلحاتٍ طبية، جاءت “ضعيفة إلى متوّسطة“. ويشدّد المساهمُ الأساس في هذه الدراسة، وهو بروفسور الطب الداخلي في معهد الطب جون هوبكنز، “ماداف غويال” Madhav Goyal على ضرورة القيام بدراسات معمّقة بالإستعانة إلى عيّنات أكثر تعبيرًا. مع العلم أنّ الدراسة التحليلية التي قام بها، كانت على عيّنة من 3500 اشتركوا في 47 دراسة. وبعد تقدير تأثير عامل الغفل Placebo Effect على هذه الدراسات، إستنتج “ماداف غويال” أنّ مفاعيل “تأمّل الوعي الكامل” لا تأثير لها كفاية على الصحّة، المزاج، العادات الغذائية، النوم أو في تنظيم الوزن.
غياب النقد الموضوعي
هذه النتائج جاءت مؤيّدة لتلك التي صدرت عن جمعية القلب الأميركية American Heart Association (AHA) سنة 2013، والتي صنّفت “تأمل الوعي الكامل” بين التقنيات التي لم تؤكّد البراهين العلمية تأثيرَها على ارتفاع ضغط الدم. هناك دراسة نقدية أخرى مفيدة، تلك التي قام بها “جيمس كوين” James Coyne, PhD بروفسور علم نفس الصحة في المركز الطبي لجامعة غرونينغن، هولندا. وهو المستشار العلمي في اللجنة الأوروبية. قد أشار كذلك إلى غياب البراهين الكافية في الدراسات حول “تأمّل الوعي الكامل”.
كلّ هذه الدراسات النقدية ليست مستغربة بالنظر إلى موقف “جون -كابات زين” مؤسّس تأمل الوعي الكامل، الذي لم يُخفِ هذه الثغرات خلال حملاته الإعلامية. لقد صرّح قائلاً خلال محاضرة في جامعة الطب في ستراسبورغ خريف 2016 ، إنّه “بالرغم من أنّ الكثير من هذه الدراسات لا يحترم صرامة المتطلّبات العلمية، فقد ساهمت بالترويج بقوّة لتأمّل الوعي الكامل”. والمثير للدهشة في هذا الموضوع، هو صمت الصحافة الفرنسية التي تستمر في مدح الفوائد الصحية لتأمّل الوعي الكامل، كأنّ شيئاً لم يكن.
إنّ الدراسة العلمية الجديدة التي صدرت سنة 2017 جاءت في الوقت المناسب كدراسة “تحليلية نقدية ربطًا ببرنامجٍ إلزامي”. كما ورد في عنوان الدراسة نفسها، من أجل تحفيز الباحثين المعنيين على العمل وفق منهجية علمية أكثر دقّة على المستوييْن النظري والتطبيقي.
سوقٌ بمليارات الدولارات !
نشير إلى أنّ “تأمّل الوعي الكامل” حظيَ بأكثر من 1200 دراسة علمية منشورة في المجلات العلمية الموجّهة إلى الجامعيين وأكثر من 33 ألف مقال منشور في مجلّات موجّهة إلى جمهور الناس. هذا الإهتمام للصحافة يعود بشكلٍ كبير إلى أنّ “تأمّل الوعي الكامل” قد رُوّج له منذ البداية كـ”تقنية علمانية للتأمّل”. مع أنّ هذه التقنية مأخوذة عن Shamata وهو أوّل مستوى للممارسات البوذية والتي تعطى عادةً بالمجّان في مختلف المراكز البوذية. إلا أنّها، كما سبق وأوضحنا في المقالات السابقة، قد أُخرجت من مفهومها البوذي وأعطيت ضمن دورات مدفوعة وكتب وأسطوانات، برامج إذاعية، كوتشنغ، تطبيقات على الهواتف الذكية… بهذه الوسائل أصبح لتأمّل الوعي الكامل سوق عالمي بعدّة مليارات من الدولارات! وقد سوّق له بطريقة أقرب إلى السوقية، يعد فيها جمهوره الواسع، بضغوط نفسية أقلّ وبرفاهية عيش بحجّة أنّها تنمّي الإنتباه بدون إصدار أحكامٍ على الأفكار، بواسطة التنفّس أو من خلال عمليات بيولوجية أخرى.
- يتبع
لمجد المسيح
[1] https://www.ccmm.asso.fr/preuves-bienfaits-de-pleine-conscience-jugees-insuffisantes/#
[2] “Mind the Hype: A Critical Evaluation and Prescriptive Agenda for Research on Mindfulness and Meditation”, Nicholas T. Van Dam, Marieke K. van Vugt, David R. Vago, Laura Schmalzl, Clifford D. Saron, Andrew Olendzki, Ted Meissner, Sara W. Lazar, Catherine E. Kerr, Jolie Gorchov, Kieran C. R. Fox, Brent A. Field, Willoughby B. Britton, Julie A. Brefczynski-Lewis, David E. Meyer. Perspectives on Psychological Science. First Published October 10, 2017 Research Article.
[3] يفترض هذا البروتوكول على سبيل المثال، في تجربة مع مجموعة علاج فعلي ومجموعة علاج وهمي، يعني مصطلح العمى أنّ المشاركين لا يعرفون المجموعة التي ينتمون إليها. في تجربة سريرية مزدوجة التعمية، لا يعرف فريق البحث ولا المشاركون المجموعة التي ينتمي إليها كلّ مشارك. هذا البروتوكول يضمن الحيادية الكاملة للنتائج.
[4] https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/29016274/