أوراوان لاربيبيتمونغول، ابنة البوذيّين الصينيّين الذين هاجروا إلى تايلند، هي اليوم الأخت أناستازيا التي تعيش في دير لراهبات الكلاريس الكبوشيّات في غارباتيلا في روما، وها هي تخبر قصّتها لـ”لوسيرفاتوري رومانو” التي صدرت بتاريخ 12 أيلول 2020: حياتها الهادئة والمُسالِمة في بانكوك حيث كانت تعمل في مصرف، لقاؤها بكاثوليكيّ أرادت الزواج به، زياراتها إلى دير راهبات الكلاريس في بانغ بونغ، وأخيراً اختبارها الغريب الذي عاشته يوم الجمعة العظيمة والذي جعلها تقرّر البقاء في الدير للأبد!
كموظّفة في مصرفٍ، كانت أوراوان تجني راتباً جيّداً يسمح لها بتأمين حاجات عائلتها الكبيرة، خاصّة وأنّ والدها كان مُصاباً بسكتة دماغيّة. في يوم من الأيّام، التقت برجل كاثوليكيّ فأصبحا صديقَين. ثمّ أُغرِما ببعضهما البعض، فيما أصرّ الرجل على اعتناقها الكاثوليكيّة لأنّهما يريدان الزواج. فما كان منها إلّا أن قالت له: “إن أردتُ اعتناق دينك، سأفعل ذلك لأنّني أؤمن بالله، وليس لأنّني أريد الزواج بك”.
قصد الثنائيّ الكنيسة فرأته أوراوان “جاثياً يُصلّي، غير مبالٍ بما يجري حوله”. أمّا هي فقد فكّرت في بوذا وقالت إنّها لدى خروجها من الكنيسة، ستذهب لتعبده في أوّل معبد على الطريق، وتقدّم له البخور وبتلات ورود حمراء، مع العِلم أنّها بذاتها تجهل إن كانت مؤمنة حقّاً، حتّى ولو كانت أحياناً تقصد معبداً بوذيّاً!
أخبرها خطيبها أنّها برفضها اعتناق الكاثوليكيّة، إنّما ارتكبت خطيئة. وتقول أوراوان في شهادتها، كما نقلتها لنا الزميلة مارينا دروجينينا من القسم الفرنسيّ في زينيت: “أردتُ الغفران. فتسجّلت في صفّ التعليم المسيحيّ وتعمّدت بعد سنة”.
في يوم من الأيّام، قرأت في المجلّة أنّ امرأة بحاجة “إلى مساعدة لأجل علاج”. وهكذا، كانت أوراوان تزورها كلّ صباح في المستشفى وترى أنّ راهبات يهتممن بها. “لم أصدّق عينَيَّ، وكنتُ أتساءل كيف يمكن لغريبات أن يقلقن على امرأة لا يعرفنَها”.
بعد 3 أشهر، توفّيت المرأة المريضة، فطلبت أوراوان الإذن بتمضية بعض الوقت في دير بانغ بونغ في تايلند مع 88 راهبة.
“بقيتُ هناك أسبوعَين أراقب حياة الراهبات، حتّى في أبسط الأمور التي تحصل. أحببتُ ذلك، لكن لم أقل شيئاً لأحد… مع اقتراب عيد الفصح، وعشيّة عودتي إلى عائلتي، سألتني رئيسة الدير إن كنت أودّ البقاء هناك أو الرحيل. فأجبتها بأنّني لم أتّخذ قراري بعد. في قلبي، نشبت حرب بين الرغبة في البقاء مع يسوع ورغبة العودة إلى عائلتي والزواج”.
وأخيراً، وصلت عشيّة الجمعة العظيمة، ووجدت أوراوان نفسها لوحدها أمام المصلوب الذي تُضيئه الشموع. “كان الجوّ سرياليّاً. وفي لحظة ما، سمعتُ صوتاً يسأل “لماذا تريدين تركي؟” فهمتُ أنّه صوت يسوع وأجبته: “يا رب، إن كان أحدهم سيتركك، فهو ليس أنا بالتأكيد”. لم أنم تلك الليلة، وفي صباح السبت، هرعتُ لمقابلة رئيسة الدير لأقول لها إنّني سأبقى فيه… للأبد”.
عندما تكلّمت أوراوان عن قرارها في البيت وفي العمل، اعتقدوا أنّها “جُنّت” وسألوها: “كيف يُعقل أنّك أنت الطيّبة والجميلة صاحبة وظيفة تسمح لك بالحصول على كلّ ما تريدينه في الحياة، تتخلّين عن كلّ شيء؟ أنت مجنونة. وحدها المجنونة يمكنها فعل ذلك”.
إلّا أنّ القرار اتُّخِذ: المجنونة التي كانت تُدعى أوراوان لاربيبيتمونغول هي اليوم الأخت أناستازيا، وقد تسجّلت في كلّية الروحانيّة الفرانسيسكانية في الجامعة الحبريّة في روما. ومع نهاية دروسها، ستعود إلى أخواتها الراهبات التايلنديّات.