“إنّ درسًا وجيزًا في التواضع وممارسة فعلٍ فيه، لأسمى من علم العالم كلّه”- القديسة تريزا الأفيلية
أسباب رواج تأمّل الوعي الكامل
في كتابها “”مرشدٌ كاثوليكي لتأمّل الوعي الكامل”A Catholic Guide to Mindfulness[1] وتحت عنوان: “يمكن لتأمّل الوعي الكامل أن يؤدّي بالكاثوليك إلى الفوضى الروحية”[2] تحذّر “سوزان برينكمان”Suzan Brinkmann(OCDS) من تداعيات هذا التأمّل وتعرب عن قلقها بسبب محاولة بعض المؤمنين الكاثوليك إضافة مبادئ “تأمّل الوعي الكامل” إلى تأمّلهم المسيحي أو إلى حياتهم الروحية.
تتكلّم “برينكمان” وهي من رهبنة الكرمل الثالثة العلمانية، كانت تابعةً سابقة لتيّار العصر الجديد New Age، عن عدّة أسباب ساهمت في رواج هذه التقنية منها:
أولاً/ أصبح مجتمعنا علمانيًا أكثر فأكثر، متناسيًا القيم المسيحية. هناك لامبالاة بالنسبة للديانات الأساسية يُستعاض عنها، كي يروي عطشه الروحي، بأيّ عينة مأخوذة من الفلسفات غير المسيحية أو من تيّار “العصر الجديد” New Age وصولاً إلى الخفائيةOccultism .
ثانيًا / هناك حاجة ماسة للتخلّص من ضغوط الحياة العصرية. الناس تجذبهم وسائل التأمّل الشرقي الآسيوي التي تؤدي إلى حالات معدّلة للوعي، من خلال تقنيات وُضعت لإفراغ العقل والتلاعب به. ما يعطي للناس إحساسًا آنيًا بالراحة من همومهم ومشغولياتهم. وتؤكّد “برينكمان” أنّنا نعيش في حقبة تاريخية، حيث نعاني بمستوى قياسي من الهلع والإجهاد، فمن لا يرغب أن يتخلّص منها ولو لبرهة؟ من الواضح أن هذا الأمر يسحر الناس. بالمقابل في التأمّل المسيحي، يواجه المؤمنون مشاكلهم، لكنهم ليسوا وحيدين بل يواجهونها مع “شخص” يستطيع في الحقيقة حلّها. في التأمّل الشرقي يكون الحلّ بالهروب مؤقتًا وبعدها تعود المشاكل لتلاحقك بقوّة.
ثالثًا/ تشير “برينكمان” أنه بالرغم من كلّ احترامها لعلماء النفس ولكلّ من يشجع على ممارسة هذه التقنية، الكل يعلم أن هذه الممارسة ،كما شبيهاتها من الطرق النفسية البديلة، تدرّ على أصحابها أموالأً كثيرة. وقد حصل هذا الأمر من قبل مع علاج الطاقة “الريكي”Reiki وما يسمّى بالتأمّل المركزيCentering Prayer .
وجواباً على سؤال عن ما هي الأسباب التي تجعل من البدائل الكاثوليكية أكثر سموًا؟ تقول “برينكمان” إذا كان أحدًا يحيا في حضور الله فهو ليس بحاجة إلى ممارسات بوذية مثل “تأمّل الوعي الكامل”. إنّ الممارسات المسيحية أسمى من كلّ هذه الطرق المحض إنسانية، إنّها تقودنا إلى حضور الله الذي نجد فيه الصحّة والسلام الحقيقي. بدل الهروب المؤقت من الخوف، يهبُ التأمّل المسيحي حلاً حقيقيًا للخوف وتحوّلاً مستدامًا. إنّ ممارسة التأمّل المسيحي أمرٌ سهل ومن جهة أخرى هو فرصة لنا على الأمد الطويل، من أجل تنمية بشرية متسارعة إلى نهائية وجودنا على هذه الأرض، أيّ الإتحاد بالله. عندما نبلغ إلى قمة اتحادنا بالرب على هذه الأرض، نكون قد تحوّلنا بالكامل إلى خليقةٍ جديدة ليست مجرّد إستمراريةٍ للخليقة القديمة. عندما نتحدّ بخالقنا، سنتحوّل أخيرًا إلى ما يجب أن نكون عليه منذ البدء. إنها نعمة تفوق كلّ فهم.
وردًا على سؤال “هل يمكن أن أكون كاثوليكيًا صالحًا وأمارس تأمّل الوعي الكامل؟” تجيب “برينكمان” أنّ الأمر له علاقة بمفهومنا للصلاح. إنّ الأشخاص الصالحين يُخطؤون في كلّ وقت. وقد يلجأ أشخاصٌ ذوو نوايا حسنة، إلى طرق كهذه كي يشعروا أنهم في حالة جيدة دائمًا، إلاّ أنّ هذه الطرق والوسائل يمكن أن تكون ضارة روحيًا. في هذه الممارسة، كلّ ما تفعله هو أن تركّز خلال بعض الدقائق على العمل الذي بين يديك، لا مشكلة في ذلك. لكن إذا كنت ملتزمًا بالطرق النموذجية المتعلّقة بممارسة “تأمّل الوعي الكامل”، التي تفترض نوعًا محدّدًا من التأمّل، إذًا أنت تواجه خطر تعديل مستويات وعيك، ما يجعلك غير محصّنٍ نفسيًا وبالتالي معرّضًا لتأثيرات كائناتٍ روحية. وتخلص “برينكمان” إلى القول أنّه على الكاثوليك تجنّب مثل هذه الممارسات حتى ولو كان بتوصية طبيب لأنّ دراسات عديدة أظهرت أضرارها.
الوعي الكامل في حضرة الله
وتوصي “برينكمان” في كتابها المؤمن الكاثوليكي الذي يريد أن يكون في “الوعي الكامل” حقيقةً، أن يبدأ بممارسة حضور الله التي أدخلها في القرن السادس عشر، راهب كرملي متواضع، هو الأخ لوران للقيامة،Fr Laurent de la Resurrection. إنّه لا يعلّم فقط أن نكون ثابتين في الحاضر، بل أن نعيش على الدوام واعين لحضرة الله فينا. يعلّمنا أن نعيش دائمًا في اللحظة الحاضرة للإجابة على مشيئة الله في كلّ وقت من حياتنا. هناك فرق كبير بين “حال الوعي” غير المثمر والإحساس العميق بالنشوة التي نصادفها متى اغتنينا بحضور خالق الكون.
وتضيف أنّها تعرض بديلاً عن “تأمّل الوعي الكامل” من خلال رياضات روحية بهدف تعليم المؤمنين كيفية الولوج في ممارسة حضور الله وسرّ اللحظة الحاضرة في حياتهم.
برنامج MindUp في المدارس
في الختام نُشير إلى أنّه، في سنة 2003 ، تأسّس برنامجٌ اسمه MindUp في الولايات المتحدّة، وهو تأمّل الوعي الكامل المخصّص للأولاد. تروّج له الممثّلة الأمريكية “غولدي هاون” Goldie Hawn الممارسة المواظبة على تأمّل الوعي الكامل. هدف البرنامج الأساسي مساعدة الأولاد على السيطرة على الضغط النفسي والمشاعر وعلى تكوين علاقات إيجابية والتصرّف مع الآخرين بلطفٍ وتعاطف. كذلك يدّعي مساعدتهم على تخطّي الأحداث العنيفة مثلاً اعتداءات 11 أيلول التي كانت صدمة شديدة للبلاد كلّها طوال سنواتٍ عدّة و المذابح التي ارتُكبت في المدارس والجامعات الأميريكية. ويزعم مروّجو هذه التقنية أنها ترتكز على علم الأعصاب Neuro science والعلوم النفسية وخصوصًا على ما يسمّى بعلم النفس الإيجابي Positive Psychology ويدّعون أنّه مفيد في المدارس للتلاميذ والمعلّمين و للعائلات أيضًا.
وهنا نتساءل إذا كانت تقنيات التأمّل الشرقي الآسيوي بشكلٍ عام، لا تناسب المسيحيين كما ورد في وثيقة “يسوع المسيح الحامل الماء الحيّ” (مجمع عقيدة الايمان، 3 شباط، 2003)، وإذا كان “تأمّل الوعي الكامل” متجذّراً في التقاليد البوذية وقد أثبتت الدراسات الجدّية أخطاره وعدم صحّة مفاعيله الإيجابية وعدم ملاءمته للمسيحيين،
فكيف إذًا يتمّ الترويج لهذه التقنية للأطفال بشكلٍ عام وللأطفال المسيحيين في المدارس التي تقول أنها علمانيةLaique أي أنّها لا تعلّم الدين وليست منحازة لأيّة ديانة؟ لذلك نرى أنّ للجان الأهل دورًا أساسيًا في هذه المدارس من أجل التحرّك سريعًا لرفض مثل هذه الممارسات وللحفاظ على صحّة أولادهم العقلية والنفسية ومن أجل خلاص نفوسهم! كذلك ندعو المدارس الكاثوليكة بشكل خاص والمدارس والمؤسّسات المسيحية بشكلٍ عام، إلى حظر مثل هذه الممارسات وما شابهها في نشاطاتها وتوعية المعلمّين والأهل بخصوص أخطارها الأكيدة.
يتبع
[1] Suzan Brinkmann, A Catholic Guide to Mindfulness,OCDS, CreateSpace Independent Publishing Platform, Oct10,2017
[2] https://sosdiscernement.org/mindfulness-conduire-catholiques-a-chaos-spirituel/