لقد جعلنا فيروس كورونا كمجتمع وأفراد نتساءل، ماذا بعد؟ كيف نكون إيجابيين؟ كيف يمكننا مساعدة الآخرين؟ وهل يمكننا التقدم خلال هذه الأزمة؟.
شدت انتباهي جملة قرأتها قبل أيام أن هذا الوباء جعل الناس يتصرفون بإحدى طريقتين إما من خلال إظهار اللطف الشديد أو الأنانية الشديدة، دفعني ذلك إلى التفكير في الطبيعة البشرية وكيفية الموازنة بين الاهتمام بين احتياجاتنا واحتياجات الآخرين خاصة خلال هذه الأوقات الصعبة، حيث تُظهر الشدائد الطبيعة الحقيقية لشخصية الإنسان وتُظهر جانباً ربما لم يكن ليُكتشف لولا هذه الأزمة، فقد يكون اليأس والإحباط والإحساس بأن الأمور لن تتحسن أبداً هي أكثر ما يشعر به بعض الأشخاص، وذلك لأنهم لا يرون سوى التأثير قصير المدى للوضع ويركزون على الشدائد التي تواجههم فقط ونتيجة لذلك قد يكونون أكثر أنانية، من ناحية أخرى، يدرك الشخص صاحب الطبيعة المتفائلة أن كل محنة هي فرصة للنمو الشخصي لأنه يتمتع بالقدرة على النظر إلى المستقبل وإدراك العواقب طويلة المدى لاختياراته فيركز أكثر على تشجيع ومساعدة الآخرين وينظر في كيفية استخدام هذا الموقف المعاكس لجعل العالم مكاناً أفضل، وفقاً لإنجيل لوقا 6: 31 “وكما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا أنتم أيضا بهم هكذا” علينا أن ندرك أننا نتحكم في حياتنا ونثق في قدرتنا، في الواقع، إن وضع احتياجات الآخرين قبل احتياجاتنا هو أمر مهم للغاية لبناء علاقات قوية وإحداث فرق حقيقي في حياة شخص آخر، لكن المفارقة هي أن التركيز على هذا الأمر يتطلب التخلي عن جزء من أنفسنا لمساعدة الآخرين، وهو ما يتردد معظمنا في القيام به، ندرك أنه أصبح من الصعب أن نحافظ على تفاؤلنا في عالم اليوم، لأن الناس في الغالب يشعرون أنهم لا يملكون السيطرة على حياتهم، وعلى الرغم من ذلك، يمكننا أن نختار أن نعيش نوع الحياة التي نريدها وأن نحققها لأنفسنا، إنه مسعى لا ينتهي نحو النمو الشخصي.
إذن أي واحد نريد أن نكون؟ وما الذي يتطلبه الأمر للوصول إلى هناك؟ وكيف يمكننا تحقيق التوازن بين تلبية احتياجاتنا الخاصة والتعاطف مع الآخرين أيضاً؟.
أثناء التفكير في هذا السؤال، تذكرت اقتباساً من ألبرت أينشتاين “يوجد طريقتان للعيش إما أن تعيش وترى كل شيء معجزة أو تعيش ولا ترى أي شيء معجزة”، هذا يوضح أن موقفنا من الأشياء الصغيرة يُحدث فرقاً كبيراً حقاً كما يشير أيضاً إلى أن لدينا القدرة لاختيار الطريقة التي نعيش بها بمجرد التفكير في أشياء معينة والعمل بشكل صحيح عليها، في الواقع، الأزمة موجودة بالفعل ونحن كأفراد لا حول لهم ولا قوة في الوقت الحالي، لا يمكننا إيقاف الفيروس، لكن قبول أننا نبذل قصارى جهدنا، ونتجنب تعريض الآخرين للخطر يساعدنا على تقليل القلق، أعتقد أن أهم درس هو عدم أخذ الأمور كأمر مسلم به، لا يمكنك أن تكون مستعداً تماماً لما سيحدث لك في الحياة، وعلى الرغم من ذلك، فإن الحياة تستحق العيش ويمكنك الاستمتاع بها كل يوم، علينا تجربة الفرح من خلال أبسط الأمور، من خلال فنجان القهوة الصباحي، رسالة من صديق، حتى من خلال الاستماع إلى أغنيتنا المفضلة، فإبداء اهتمام خاص لهذه التفاصيل الصغيرة يشكل نسيجاً من السعادة يمكن أن يُبعد عنا المخاوف ويمنعنا مؤقتاً من الغرق في مشاعر الاكتئاب.
في وقت الأزمات، من المهم أن نتذكر أن لدينا سلطة على الطريقة التي نعيش بها حياتنا، وأننا لا نحتاج إلى أن نكون ضحايا لظروفنا الخارجية، “لا يوجد شيء جيد أو سيئ، ولكن التفكير يجعله ذلك” كما قال ويليام شكسبير، فأفعالنا وسلوكياتنا تنبع من ما نفكر فيه، ولهذا السبب من المهم جداً أن نحافظ على ايجابيتنا وامتناننا، ومن الضروري أن نتقبل الأزمة عندما لا نستطيع تجنبها، فالقبول هو أداة تفتح الأبواب على المستقبل، بينما الاجترار يحبسنا في الماضي، علينا أن نتعلم من المشاكل وإلا فإن المشاكل سوف تتغلب علينا، فمن أهم الدروس التي نتعلمها مراراً وتكراراً إدارة مشاعرنا السلبية ومحاولة التركيز على المستقبل بدلاً من الأمور التي تشتت انتباهنا الآن أو تجعل الأمور أكثر صعوبة، حيث تصبح الأزمات فرصاً فريدة حين نكون قادرين على تغيير شيء ما في حياتنا، في عاداتنا في العلاقات، في رؤيتنا للعالم والحياة، إنها تقدم فرصاً تسمح لنا بالمضي قدماً، إنها سقوط للأمام نتعلم من خلالها التقدم بشكل أسرع.
في النهاية، أعتقد أنه يمكننا استخدام هذا الوقت بشكل فعال للتفكير في من نريد أن نكون، والعمل على أن نصبح ذلك الشخص كل يوم، علينا أن نسعى جاهدين لنكون أفضل كل يوم مما كنا عليه في اليوم السابق، بهذه الطريقة يمكننا أن ندرك القيمة التي تجلبها كل لحظة لحياتنا وقدرتنا على تغيير أنفسنا وتحسين العالم من حولنا.