لا ينفكّ البابا فرنسيس يخبر بأنّ الفنّ يعارض ثقافة الرفض فشبّهه بالرّحمة، إذ لا يرفض أحدًا وهو يوحّد الشعوب أمام ثقافة البغض والعنصريّة. من هنا، أجرت وكالة زينيت مقابلة خاصّة مع الفنّان التشيكيليّ الفرنسيّ اللبنانيّ الأصل، للتأكيد على حديث البابا فرنسيس، وهو يونس الكجك، شخصيّة ارتبط اسمها بالفنّ التشكيليّ الممزوج بالإنسانيّة.
يونس الكجك، واسمه الفنيّ إيف الكجك، حائز على شهادة الماجستير في تاريخ الفنون من مدرسة اللوفر في باريس وموثّق المواد الأرشيفيّة في متحف أورساي الفرنسيّ. خصّ وكالة زينيت العربيّة بحديث من باريس إلى لبنان، أخبر فيه عن مسيرته في الفنّ ولغة الرّسم… فكيف بدأت مسيرته بالفنّ؟ وكيف يشهد لله من خلال فنّه؟ وما الرّسالة التي يقدّمها للشبيبة وأهل الفنّ اليوم؟
عاش يونس الكجك الحرب وويلاتها، وشهد على الصراع الإسلاميّ المسيحيّ. بدأ مسيرته أوّلا باختصاص العلوم السياسيّة وعندما تعرّض لحادث مع السوريّين الذين كانوا متواجدين في تلك الفترة في لبنان، طلب منه والده وقتذاك أن يغيّر مساره فما كان منه إلاّ أن انتقل إلى الفنون الجميلة، فحصل على منحة من المركز الثقافيّ الروسيّ لينتقل فيما بعد إلى باريس. وعندما سألناه عن كيف يشهد للّه من خلال فنّه؟ أجاب: “إنّ الإنسان توّاق إلى العظمة والإبداع والابتكار ويشهد على إبداع الخالق. فكلّ دين وحضارة تأمّلا ليصلا إلى هذا الإبداع، فمثلاً، إنّ الحضارة المسيحيّة استخدمت هذا الفنّ لتبلّغ المؤمن مراحل الحياة المقدّسة عن يسوع المسيح من بداية تكوينها. والرّسم، بحسب ما يقول الكجك، هو لغة مكتوبة بالخطّ واللون، وعلى الفرد أن يصقلها ويعمل على تحسينها.
ويضيف أنه من الضروريّ أن يتنبّه الأهل والمدارس على تطوير هذه المهارة لدى الفرد منذ صغره تمامًا مثلما يتعلّم الخطّ والكتابة.
اختار يونس الكجك الرّسم كملاذ من الواقع المرير الذي عاشه أثناء الحرب والصراع الطائفيّ الاجتماعيّ الطبقيّ، على مثال الفنّان فان غوغ الذي كان يتخطّى المآسي والحلات الإنسانيّة عن طريق الرّسم. رأى الجثث والهروب لتأمين الحياة والبشاعة والمجازر والمأساة اللبنانية. كان لا بدّ من مخرج والبحث عن لغة اللون!
أما لأهل الفنّ وشبيبة اليوم، فحثّهم على المحافظة على الوطن، من خلال إظهار جماليّة مجتمعه، لو مهما كان دينه وأن ينقلوا بدورهم رسالة إلى الشعوب المتعاقبة، بنظرة جماليّة وأن يحقّقوا حلمًا مكتوبًا ومصوَّرًا.
من أهمّ اللّوحات التي أثّرت في يونس الكجك، كانت لوحة “أصابع القمر” وهي تعود إلى بداية انطلاقته في عالم الرّسم، وفسّر كيف أنّ القمر ينير السماء بأصابعه في الليل حاملاً بصيصًا من الأمل، فيستلهم منه العشّاق، على عكس الشمس التي تستحوذ على نهارنا فتدفعنا إلى العمل بكدّ دون توقّف.
وختم قائلاً: “الرّسام ابن بيئته، والبيئة هي التي تكوّن شخصيّته وهو عليه أن يصقل مهارة الرّسم ويطوّرها. أشعر بأنّ الرّسم هو جزء منّي، هو وَلَدُ منّي، هو عينٌ منّي، وبصمة منّي”.
فكم أنّ إبداعات الخالق كثيرة! أوَ ليس هذا الفنّان المبدع خير مثال على غنى مواهب الله وسخائه ومحبّته؟