أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
رافقَتْ الصلاة الخطوات الأولّى للكنيسة في العالم. الكتابات الرسوليّة ورواية سفر أعمال الرسل البليغة تقدم لنا صورة كنيسة تسير على الطريق، كنيسة نشطة، ولكنها مع ذلك تجد في اجتماعات الصّلاة الأساس والاندفاع إلى العمل الرسولي. إنّ صورة الجماعة الأولّى في القدس/أورشليم هي مرجع لكلّ خبرة مسيحية أخرى. كتب لوقا في سفر أعمال الرسل: “وكانوا يُواظِبونَ على تَعليمِ الرُّسُل والمُشاركة وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلَوات” (2، 42).كانت الجماعة تواظب على الصّلاة.
نجد هنا أربع ميزات أساسيّة للحياة الكنسيّة: أولًا الإصغاء إلى تعليم الرسل، وثانيًا المحافظة على حياة الشركة المتبادلة، وثالثًا كسر الخبز، ورابعاً الصّلاة. تذكرنا هذه الميزات بأنّ وجود الكنيسة له معنى إذا بقيت متحدة وكان اتحادها قويًّا في المسيح، أي في الجماعة وفي كلمته وفي الإفخارستيا وفي الصّلاة. إنّها طريقة اتحادنا في المسيح. الوعظ والتعليم يشهدان على كلام المعلّم وأعماله. والبحث الدائم عن الشركة الأخوية يحمي من الأنانيات والخصوصيات. وكسر الخبز يحقق سرّ وجود يسوع بيننا: لن يغيب عنا أبدًا، إنّه موجود تمامًا في الافخارستيا. إنّه يعيش معنا ويسير معنا. وأخيرًا الصّلاة التي هي مساحة الحوار مع الآب بوساطة المسيح وفي الرّوح القدس.
كلّ ما ينمو في الكنيسة خارج هذه “الميزات المتناسقة” يكون بلا أساس. لتمييز حالة ما، يجب أن نسأل أنفسنا هل، في هذه الحالة، توجد هذه الميزات الأربعة المتناسقة: التبشير، والبحث المستمر عن الشركة الأخوية –المحبة-، وكسر الخبز – أي الحياة الإفخارستية – والصّلاة. يجب تقيّيم أي حالة في ضوء هذه الميزات الأربعة المتناسقة. كلّ ما لا يدخل في هذه الميزات المتناسقة يكون بلا أساس كنسي، وليس كنسيًا. الله هو الذي يبني الكنيسة وليس ضجيج الأعمال.الكنيسة ليست سوقًا. الكنيسة ليست مجموعة من رجال الأعمال الذين يتقدمون في هذا المشروع الجديد. الكنيسة هي عمل الرّوح القدس الذي أرسله يسوع لنا ليجمعنا. الكنيسة بالتحديد هي عمل الرّوح القدس في الجماعة المسيحيّة، وفي الحياة الجماعيّة، وفي الإفخارستيا، وفي الصّلاة دائمًا. وكلّ ما ينمو خارج هذهالميزات المتناسقة يكون بلا أساس، إنّه مثل بيت مبني على الرمل (را. متى 7، 24-27).الله هو الذي يبني الكنيسة وليس ضجيج الأعمال. كلمة يسوع هي التي تعطي معنى لجهودنا. وبالتواضع يُبنى مستقبل العالم.
أشعر أحيانًا بحزن شديد عندما أرى جماعة ما، بحسن نيّة، تسلك الطريق الخطأ لأنّها تعتقد أنها تبني الكنيسة في التجمعات، وكأنّها حزب سياسي: الأغلبية، الأقلية، ماذا يفكر هذا، ذلك، الآخر… “هذا مثل السينودس، إنّه طريق السينودس الذي يجب أن نسلكه”. أسأل نفسي: أين الرّوح القدس هناك؟ أين الصّلاة؟ أين المحبة الجماعيّة؟ أين الإفخارستيا؟ بدون هذه الميزات الأربعة المتناسقة، تصبح الكنيسة مجتمعًا بشريًا، وحزبًا سياسيًا – أغلبية، وأقلية -، وتحدث التغييرات كما لو كانت مؤسسة تجاريّة، بأغلبية أو أقلية… لكن بدون الرّوح القدس. وتضمن هذه الميزات الأربعة المتناسقة حضور الرّوح القدس. لتقييم حالة ما، سواء كانت كنسيّة أم لا، لنسأل أنفسنا إذا كانت هناك هذه الميزات الأربعة المتناسقة: الحياة الجماعيّة، والصّلاة، والإفخارستيا… [والتبشير]، وكيف تتطور الحياة في هذه الميزات الأربعة المتناسقة. إذا نقصت هذه الميزات، غاب الرّوح القدس، وإذا غاب الرّوح القدس، فسنكون جمعيّة إنسانيّة جميلة، للأعمال الخيريّة، حسنًا، حسنًا، وحتى حزب، ولنقل هكذا، سنكون جمعيّة كنسيّة ولكن لا توجد كنيسة. ولهذا السبب لا تستطيع الكنيسة أن تنمو بفضل هذه الأشياء: فهي لا تنمو بمحاولة كسب أتباع لها، مثل أي مؤسسة تجاريّة، بل تنمو عن طريق جذب الناس إليها. ومن الذي يحرك عملية الجذب هذه؟ الرّوح القدس. لا ننسى أبداً كلمات البابا بندكتس السادس عشر هذه: “الكنيسة لا تنموبمحاولة كسب أتباع لها، إنها تنمو بجذب الناس إليها”. إذا غاب الرّوح القدس، وهو الذي يجذب الناس نحو يسوع، فهناك لا توجد كنيسة. سيكون هناك نادٍ لطيف من الأصدقاء، حسنًا، لديهم نوايا حسنة، لكن لا توجد كنيسة، ولا يوجد روح سينودسي.
لذلك نكتشف، عند قراءة سفر أعمال الرسل، أنّ المحرك القوي لحمل بشارة الإنجيل هو اجتماعات الصّلاة، فيها يختبر المشاركُ بصورة حية حضورَ يسوع ويتأثر بالرّوح القدس. أدرك أعضاء الجماعة الأولى – وهذا صحيح دائمًا، حتى بالنسبة لنا اليوم – أنّ قصة اللقاء مع يسوع لم تتوقف بعد الصعود، بل استمرت في حياتهم. عندما نروي ما قاله وفعله الرّبّ يسوع – الإصغاء إلى الكلمة – وعندما نصلّي حتى ندخل في شركة معه، يصبح كلّ شيء حيًا. فالصّلاة أفاضت فيهم النور والدِّفء: وموهبة الرّوح القدس ولّدت فيهم الحماس.
في هذا الصدد، نجد في التعليم المسيحي عبارة كثيفة المعنى. يقول هكذا: “الرّوح القدس يذكِّر كنيسته المصليّة بالمسيح، ويقودها إلى الحقيقة كلّها، ويحمل على إيجاد صيغِ أخرى تعبّر عن سرّ المسيح الذي لا يستقصى، والعامل في الحياة والأسرار وفي رسالة كنيسته” (2625). هذا هو عمل الرّوح القدس في الكنيسة: يذكِّر بيسوع. قالها يسوع نفسه: سيعلمكم وسيذكركم. الرسالة هي أن نتذكر يسوع ولكن ليس كتدريب للذاكرة. المسيحيون، الذين يسيرون في طرق الرسالة، يتذكرون يسوع عندما يجعلونه حاضرًا مرة أخرى، ومنه، من روحه القدوس، يتلقون “الدافع” ليذهبوا ويعلنوا ويخدموا. في الصّلاة يَغمُر المسيحيُّ نفسَه في سرّ الله الذي يحب كلّ إنسان، ذلك الله الذي يريد أن يُبَشَّر الإنجيل للجميع. الله هو الله للجميع. في يسوع هُدِمَ نهائيًا كلّ جدار فاصل: كما قال القديس بولس، هو سلامنا، أي “فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة” (أف 2، 14). صنع يسوع الوَحدة.
وهكذا امتلأت حياة الكنيسة الأولّى بسلسلة متواصلة من الاحتفالات والابتهالات وأوقات الصّلاة الجماعيّة والشخصيّة. والرّوح القدس هو الذي منح القوة للواعظين الذين ساروا على الطرق، ومن أجل حب يسوع ركبوا البحار وواجهوا الأخطار وقبلوا المذلات.
الله يعطي الحب، والله يطلب الحب. هذا هو الأصل الروحي لكلّ حياة مؤمنة. عاش المسيحيون الأوائل هذه الخبرة في الصّلاة، ونحن أيضًا من بعدهم، بعد عدة قرون، نعيش جميعًا نفس الخبرة. الرّوح القدس ينعش كلّ شيء. وكلّ مسيحي لا يخاف أن يكرس وقتًا للصّلاة يمكنه أن يردِّد كلمات الرسول بولس: “وإِذا كُنتُ أَحْيا الآنَ حَياةً بَشَرِيَّة، فإِنِّي أَحْياها في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أجْلي” (غل 2، 20).فالصّلاة تجعلك تدرك هذا. فقط، في صمت السجود، تُختبر الحقيقة الكاملة الكامنة في هذه الكلمات.يجب أن نستعيد معنى السجود. أن نسجد، أن نسجد لله، وأن نسجد ليسوع، وأن نسجد للرّوح القدس. الآب والابن والرّوح القدس: أن نسجد لهم. في صمت. صلاة السجود هي الصّلاة التي تجعلنا نعترف أنّ الله هو بداية ونهاية كلّ التاريخ. وهذه الصّلاة إنّها نار الرّوح الحيّة التي تمنح القوة للشهادة وللرسالة. شكرًا.
* * * * * *
قراءة من سفر أعمال الرسل (رسل 4، 23-24. 29. 31)
“فلَمَّا أُطلِقَ سراحُهُما رَجَعَ {بطرس ويوحنا} إِلى أَصحابِهما وأَخبَراهم بِكُلِّ ما قالَ لَهما عُظَماءُ الكَهَنَةِ والشُّيوخ. وعِندَ سَماعِهِم ذلك، رفَعوا أَصواتَهم إِلى اللهِ بِقَلْبٍ واحِدٍ فَقالوا: ((يا سَيِّد، أَنتَ صَنَعتَ السَّماءَ والأَرضَ والبَحرَ وكُلَّ شَيءٍ فيها، […] فانظُرِ الآنَ يا ربُّ إِلى تَهْديداتِهم، وهَبْ لِعَبيدِكَ أَن يُعلِنوا كَلِمَتَكَ بِكُلِّ جُرأَةٍ)).وبَعدَ أَن صَلَّوا زُلزِلَ المَكانُ الَّذي اجتَمَعوا فيه. وامتَلأُوا جَميعًا مِنَ الرُّوحِ القُدُس”.
كلامُ الرّبّ
* * * * * * *
Speaker:
تأمّلَ قداسةُ البابا اليَومَ في صلاةِ الكنيسةِ الناشئة. قال: تميّزت الخطواتُ الأولّى للكنيسةِ في العالمِ بأربعِ ميزاتٍ يصفُها سفرِ أعمالِ الرسلِ بقولِه: “فكانوا يُواظِبونَ على تَعليمِ الرُّسُل والمُشاركة وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلَوات” (رسل 2، 42). تُذكرُنا هذه الميزاتُ أنّ وجودَ الكنيسةِ له معنى إذا بقيت متحدةً في المسيح. فبالوعظِ والتعليمِ نشهدُ على كلماتِ المعلّمِ وأعمالِه. وبالبحثِ الدائمِ عن حياةِ الشركةِ الأخويّةِ نحمي أنفسَنا من الأنانيةِ والخصوصية. وبكسرِ الخبزِ في الإفخارستيا نحققُ سرَّ وجودِ يسوع بينَنا، وبالصّلاةِ نتحاورُ مع الآب. وعند قراءةِ سفرِ أعمالِ الرسل، نكتشفُ أنّ اجتماعاتَ الصّلاةِ كانت هي المحركُ القوي لحملِ بشارةِ الإنجيل، فيها يختبرُ المصلّي بصورةٍ حيةٍ حضورَ يسوع، في الرّوحِ القدُس الذي يدفعُنا إلى أن نذهبَ ونعلنَ اسمَه ونخدُمَه بين الناس. الرّوحُ القدس هو الذي منح القوةَ للواعظينَ الذين دفعهُم حبُهم للمسيحِ إلى حَمْلِ الإنجيلِ على طرقاتِ العالم، فركبوا البحارَ وواجَهوا الأخطارَ وقبلوا المذلات. وأنهى قداسةُ البابا تعليمَه قائلًا: على مثالِ المسيحيينَ الأوائل، نحن مدعوون أن نستقبلَ الرّوحَ القدُس حتى نصلّي ومع القديسِ بولس نقول: “وإِذا كُنتُ أَحْيا الآنَ حَياةً بَشَرِيَّة، فإِنِّي أَحْياها في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أجْلي” (غل 2، 20).
Speaker:
أحيّي المؤمنينَ الناطقينَ باللغةِ العربية. عندما نصلّي، يفتحُ الله أعينَنا، ويُجدِّدُ ويُغيِّرُ قلوبَنا، ويشفي جروحَنا، ويُعطينا النعمةَ التي نحتاجُ إليها. ليباركْكُم الرّبُّ جميعًا ولْيَحمِكُم دائمًا من كلِّ شر!
* * * * * *
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2020
© Copyright – Libreria Editrice Vaticana