Bible - AgnieszkaMonk - Pixabay - CC0

التعليم الديني في مدارسنا في الأردن

قصّة تاريخ

Share this Entry

“مَن هو معلّم التعليم المسيحي؟ هو من يحرس ويغذّي ذكرى الله، يحرسها في ذاته ويعرف كيف يوقظها في الآخرين

                                                                                             البابا فرنسيس

قصة تاريخ:

كانت بداية إعادة تأسيس البطريركية اللاتينية في منتصف القرن التاسع عشر آخذةً من رعية السلط رعيةً أولى لوجودها وكيانها في الأردن عام (1866) وبناءً على رسالتها وفلسفتها كان تأسيس مدرسة السلط متزامناً مع الحدث على اعتبار أنّ المدرسة دائماً ملحقة بالرعيّة والعلاقة واحدة ومكمّلة فهما وجهان لعملة واحدة. فالمدرسة ليست نظاماً اجتماعياً معزولاً لكنها جزء من نظام اجتماعي أكبر منها (هو المجتمع) وهي بذلك ذات علاقة متينة مع هذا النظام لأنّ المدرسة هي المرآة التي تعكس حياة المجتمع النقيّة، فهي مركز الحياة الاجتماعية ومكان لزرع الإيمان والتربية في المجتمع.

آنذاك كان الكاهن هو المؤسس والمدير والمنفّذ للمشاريع الرعوية والمدرسيّة فقد شغل مكان الباني والمدير والكاهن والراعي ورئيس الكنيسة في جميع قضاياها الرعوية والإدارية والمالية والتربوية والروحيّة والاجتماعية، هو محور الكنيسة ومديرها وهو المرجع الأول لأية قضية كنسية أو اجتماعية أو غير ذلك (وبالعامية هو شيخ الرعيّة)، وهو المسؤول عن توثيق هوية المدرسة ورسالتها في المجتمع والكنيسة.

في فترة إمارة شرق الأردن ولغاية تأسيس المملكة واستقرارها، لم يرتسم نظام وقانون معيّن لإدارة الرعايا والمدارس، فكانت هناك المدرسة العثمانية بإدارة الأتراك ولمدة ثلاث سنوات والمدارس الأخرى ومنها الإرسالية لمدة خمس سنوات والهدف آنذاك هو تدريس وتعليم الفتاة.

في المرحلة الجديدة تلك، كان التعليم الديني هو الأساس في تكوين المدرسة فهي مكان للنمو الروحي بالإضافة إلى التأهيل الأكاديمي والتربوي في المؤسسة الثانية بعد الأُسرة التي تتولى مسؤولية تأهيل الطفل اجتماعياً وتربوياً ونفسياً إلى جانب تأهيله العلمي، عندها كان الكاهن والراهبة هما محور العملية التعليمية فهما المعطيان والطلبة المتلقنين، وعلى عاتقهم تقع مسؤولية التنشئة الدينية. في هذه المرحلة كانت العقلية التربوية والتنشئة العامة قاسية إذ كان يُعاقب بالضرب داخل المدرسة كما كانت المعاملة في البيت.

والمفارقة أنّ الكاهن والراهبة وعصاهم وخيزرانهم وضربهم وعقابهم تزامن مع كلامهم عن المحبة والمسامحة والمغفرة ولهما كل الطاعة والاحترام من المجتمع المحلي والطلبة، فهما الشخصية الاعتبارية أمام الجميع.

نشير هنا إلى أنّ الكاهن أيضاً كان مسؤولاً عن النشاطات الاجتماعية والأعمال الخيرية في الرعية. فحتى أوقات فراغ أبناء الرعيّة كانت من مُلك الكاهن والراهبات وحتى الأمسيات كانت أمسيات دينية تسهم في بثّ الروح الإنجيلية.

وعندهاكان الارتباط بين المدرسة والرعية والكنيسة، فقد كان قدّاس الأحد إجبارياً على المعلم والطالب على السواء، ويتمتّع هذا الموضوع بالمراقبة والحضور والغياب، ويترتّب عليه قصاص وخصم علامات وتهديدات في حالة إثبات الغياب (حتى أنهُ يذكر أنّ الكاهن كان يذهب إلى المراعي ومكان عمل الأهل ويجبرهم للعودة لحضور القداس).

استمر الحال على ما هو عليه حتى بداية الثمانينات (خصوصاً مع مؤتمر التطوير التربوي 1987 الذي لا يجوز الإدارة إلّا لمن يحمل الدبلوم العالي وأعلى مع خبرة تدريس 5 سنوات). عندما واجهت البطريركية نقصاً في عدد الكهنة والراهبات يقابله زيادة في عدد الطلبة في المدارس وتوسعة الأقسام، عندها تحّول الدور للعلماني (المعلم) وبقي الكاهن مديراً عاماً ومشرفاً للمدرسة إضافة إلى بعض الحصص التعليمية الدينية إلى جانب الراهبة.

أيضاً العمل الجدّي على مادة التربية الدينية وبدأ الاهتمام بها إذ فتحت المراكز التأهيلية للتثقيف الديني “مركز مار كيرلس”  و”المركز اليسوعي” وأصبح المعلم ملزماً بالخضوع لهذه الدورات لمزاولة مهنة تدريس التربية المسيحية، وبالرغم من ذلك فما زال التأهيل الديني ليس بالمستوى المطلوب لغاية الآن.

تزامن ذلك مع زيادة انشغالات الكهنة والراهبات فأصبح هنالك عدد قليل ممّن يعلّمون التربية الدينية وبالتالي أدّى إلى ضعف المستوى الثقافي الديني والانتماء الروحي الكنسي.

التعليم الديني لغير المسيحيين:

البيئة التي تتواجد فيها مدارس البطريركية اللاتينية خصوصاً في الأردن تُحتّم على المدارس أن تكون منفتحة على المجتمع بديانتيه الرئيسيّتَين بكون ذلك عُرفاً اجتماعياً تواردتهُ المجتمعات المحيطة بالدير، فهي علاقات وديّة حميمة لم تعانِ سابقاً من مشاكل مجتمعية دينية بل تقدّر وتعتز بكاهن الرعية، فهو كذلك في بعض القرى ورعاياها وجيرانها فما زالت تقيم للكاهن مكانةً أرفع من شيخ المنطقة أو أكبرهم سناً، فهو من يطلب العروس ولا أحد في القرية سواه بحضورهِ، وهو في مقدمة العطوات والجاهات ومدرستهُ تجمع طلاباً مسلمين قد يفوق عددهم الطلاب المسيحيين في بعض الصفوف. (إحصائية 2020/2021 تشير الى نسبة عدد الطلبة المسلمين بمدارسنا 39% أي 3485 طالب والمسيحيين 5439 بنسبة 51%)

ثمّ كون المدارس تؤمن بالحرّية الدينية وحق الطالب في التربية والتعليم الأكاديمي والديني، فطالما سعت مدارس البطريركية إلى احترام حقوق الطلبة من الديانة الأُخرى من خلال توفير أفضل الكفاءات والخبرات لتدريس المادة واعتنت بالإشراف على المعلمين وتوجيههم من قبل كفاءات مدرّبة مجهّزة تسهّل العملية التعليمية الخاصة بأصول الدين والسلوك الإنساني والروحي المناسب للطلبة.

“أريد قبل كل شيء أن أشكركم على التضحيات التي تقومون بها مع عائلاتكم وعلى الحماس والالتزام اللذين من خلالهما تقومون برسالتكم المهمّة. أنتم تعلّمون ما علّمه يسوع، وتثقِّفون البالغين وتساعدون الأهل لينمّوا أبناءهم في الإيمان وتحملون للجميع فرح ورجاء الحياة الأبديّة. أشكركم على التزامكم وعلى المثال الذي تقدّمونه، على قربكم من شعب الله في حياته اليوميّة وعلى الأساليب العديدة التي من خلالها تزرعون ثمار الإيمان في هذه الأرض الشاسعة بأسرها”. البابا فرنسيس

واعتنت بالمعلّم المسلم كما هو المسيحي من ناحية الأجور والحقوق والامتيازات، فسلّم الرواتب يسري على معلّم التربية الإسلامية كما هي المسيحية والحق في إتمام الدراسة وخصومات الأبناء كما هي لدى المعلّم المسيحي، وشهادة ذلك المعلمات المسلمات في لاتين الحصن ومادبا والكرك وغيها من المدارس اللواتي عبّرن عن انتمائهنّ للمدرسة لما تسهل لهم نشاطاتهم الدينية من رحلات للأضرحة والمزارات الإسلامية، كما لا تقف أمام فريضة الحج بل تسهّلها، ومدارسنا هي ساحة الأعمال الخيرية الإنسانية للديانة الإسلامية، كما أنّ المدارس ملتزمة بعدد الحصص التي تفرضها الوزارة للمادة وللصفوف، والمنهاج هو المعتمد في التربية، وحتى توزيع العلامات والأنشطة اللازمة كما هي في وزارة التربية والتعليم.

هذا وقد تجسّد ذلك بأسبوع الوئام (مثلاً) في مدرسة لاتين الوسية وشخصتهُ ودعمتهُ دليلاً على اهتمامها الخاص بالأسلوب المتبادل في التعامل بين الديانتين داخل سور المدرسة.

إلى جنب اهتمام المدارس بحرية ممارسة الدين والحرية في أسلوب التعليم، فقد اهتمّت بواجب تأمين التعليم لتصل إلى كل بقعة ممكنة في المملكة وإن لم يحتشد في المنطقة إلا طالب واحد.

وما زالت مدارس البطريركية اللاتينية تقدم العلم والمعرفة وتنشر الثقافات في مناطقها لغاية هذا العام متمثلة بـ25 مدرسة في الأردن تسعى للنمو الروحي والعلمي وتنفّذ الخطط التدريسية الجديدة وفق أحدث الأساليب وبأحدث الإدارات والعقول لخدمة المجتمع وكلمة الله.

” “معلّم!” ما أجمل هذا اللقب! يسوع هو معلّمنا الأول والأعظم. ويقول لنا القديس بولس أنّ يسوع لم يعطِ الكنيسة فقط رسلاً ورعاة وإنما أيضًا معلّمين ليبني الجسد بكامله في الإيمان والمحبّة”. البابا فرنسيس

 

Share this Entry

الأب عماد طوال

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير